إني أحتسب عند الله -عز وجل- أن لك من الأجر على صبرك ومعاناتك ومجاهدتك ما ليس لمن لا يعيش هذه المعاناة، ولذلك تذكر قول الله -عز وجل-: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، فمع المجاهدة تنال الهداية.
رابعًا: إذا علمت أن وجود هذه المعاناة في داخل نفسك مما لا تستطيع تجاوزه، وثبوت الحكم في هذه المسألة مما لا يمكن تسوره، فإن علينا بذل الجهد في العلاج، ولعل من العلاج تجنب الإثارات التي تواجه الإنسان في حياته العامة، فيتجنب المثيرات من خلطة الفتيان الوسيمين، أو النظر إليهم، أو التبسط معهم، ويعلي من علاقاته بحيث تكون مع من لا يشعر تجاههم بأي جاذبية أو انجذاب من هذا النوع، ومن الأسباب إنهاك الطاقة الجنسية في المباح -أي مع الزوجة- والتمتع معها بكافة أنواع الاستمتاع ومحاولة استفراغ الطاقة الجنسية كامل الاستفراغ، حتى لا تبقى للنفس مآرب أخرى تلفتك يمنة ويسره، ومن ذلك الانهماك في أعمال منوعة دعوية وشرعية، وتعليمية دينية ودنيوية، بحيث يكون وقت الإنسان وعقله مشغولاً فلا يبقى في فكره فضول لهذه الميول، أو على الأقل تخفت هذه الميول وتصبح مزحومة بقضايا أكبر منها.
خامساً: إنك لست في حداثة السن ولا في يفاعة الشباب، فأنت تقترب في تسارع كبير إلى الكهولة، وأحسب أن الله قد حفظك فيما مضى، ولذا فإن صبرك فيما تستقبل من حياتك أسهل بكثير من صبرك فيما مضى من عمرك، وحتى إن كان وقع منك شيء من الماضي وتبت منه فإنك تستقبل أهدأ مراحل العمر، إنها فترة الكهولة والنضج، وهدوء جميع الغرائز والعواطف الثائرة، ولذلك تأمل خيراً، واجعل مرور كل يوم من حياتك تقضيه وقد عصمك الله مما تكره إنجازاً ضخماً تفرح به، وهنا تكثر البشائر في حياتك بدل المحبطات وما أسرع أن تحين لحظة المغادرة لهذه الحياة فإن اللبث فيها يسير.
سادساً: أختلف معك أخي الكريم في ابتعادك عن مجالات التعليم والدعوة لما تشعر به من مقت لنفسك، فإن هذا شرك شيطاني يستجمع الشيطان ضحكاً إذا رآك وقعت فيه، إنه يريد أن يشعرك أنك لست من هذا الشأن في شيء، وأن عليك أن تعيش بعيداً عن المجالات السامية؛ لأنها لا تليق بك. وهذه أحبولة شيطانية ينبغي أن تنتبه لها وأن تستعلي عليها، وأن تقول لنفسك سأبذل جهدي في كل مجال أستطيع العمل فيه، وأغالب وأجاهد هذه الميول بمزيد ومزيد من العطاء، وربي خلقني وهو أعلم بي، وأعذر، فعد إلى أنشطتك كلها واستأنف حياتك بكل جد، وابتعد عن هذا الشرك الذي يريد به الشيطان أن يشعرك بمقت الذات، بل إن ذاتك تستحق من الاحترام والإكرام بهذه المجاهدة ما ليس لمن لا يعيش وضعك ولا يعاني معاناتك.