القاعدة الرابعة: "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" [غافر:١٩] .
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- هو الرجل يكون جالساً مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.
وعنه -رضي الله عنهما- هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غضّ بصره, فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر, فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره, وقد علم الله -عز وجل- منه أنه يود لو نظر إلى عورتها.
وقال مجاهد: هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.
وقال قتادة: هي الهمزه بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى.
سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظره.
وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
القاعدة الخامسة: "بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه"ُ [القيامة: ١٤، ١٥] .
يكثر الإنسان من البحث عن الأعذار في عدم إمكانية غض البصر، وأنه أمر غير واقعي، ويبدأ الشيطان بحياكة صور متعددة من الأعذار، ويزين له الاتكال عليها من أجل أن يطلق بصره، ويسرح بنظره، فتارة يقول له مستهزئاً: الأحسن لك أن تكون أعمى، أو أن تصطدم بالناس، وتارة يقول له: سر كالأبله الذي لا يعرف شيئاً، وأخرى يقول له المهم نظافة القلب، ولو نظرت إلى النساء، وهكذا، إلى غير هذه من الأعذار، والجواب عن كل هذا: بل الإنسان على نفسه بصير، ولو أكثر من إلقاء المعاذير، وهذا معنى تلك الآية.
القاعدة السادسة: "احفظ الله يحفظك".
نعم احفظ الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، يحفظك من الانزلاق في المعاصي، كما يحفظك إذا احتجت إليه في يوم شدة، ومن حفظ الله أن تلزم ذكره حتى تكون أقرب إليه، وأبعد عن الشيطان، فإذا مر عليك منظر، أو رأيت صورة فإنك تكون متصلاً بالله، مستمداً القوة منه، فيكون ذلك أقوى لأن تغض بصرك.
قال ابن تيمية: وتأمل كيف عصم الله -عز وجل- يوسف -عليه السلام- من فتنة امرأة العزيز، فقد كانت مشركة فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف -عليه السلام- مع عزوبته ومراودتها له، واستعانتها عليه بالنسوة، وعقوبتها له بالحبس على العفة عصمه الله بإخلاصه لله تحقيقاً لقوله: "وَلاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ?لْمُخْلَصِينَ" [الحجر:٣٩، ٤٠] ، قال تعالى: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ" [الحجر:٤٢] .
القاعدة السابعة: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
أيها الأخ المبارك: إن انزلاق عينيك في نظرة محرمة، واختلاسة طرفك لصورة نهيت عن النظر إليها، ينكت نكتة سوداء في قلبك، فاحذر أن تكثر هذه النقاط السود حتى يصبح قلبك أسود مرباداً كالكوز مجخياً أي منكوساً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب في هواه، فاحذر كل الحذر من هذا، وأتبع هذه السيئة بحسنة، حتى تجلو قلبك وتغسل فؤادك من ظلمة المعصية، وذلة المخالفة، وتضيق على شيطانك منافذه.