لا يخفى عليك- أخي الفاضل- أن معالجة الخطأ بالخطأ تزيده تمكنًا واستقرارًا، ومثل من في حالة أخيك يحتاج الأمر في علاجه إلى علم وحلم وهدوء ورفق وليس إلى شدة وعنف، لأنك في الوقت الذي تنتقد عنف أخيك هو في نفس الوقت يواجه بعنف مضاد، ولذلك أرى أن الأمر يتطلب منكم صبرًا أكثر وتؤدة في التعامل معه، ولا تنس أنه أخوك من أقرب الناس لكم جميعًا في الأسرة، فإذا لم تتلطفوا معه وتتحملوا خشونته فمن إذًا يتحمله؟ وتذكر معي تلك القصة التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم- مع أحد الأعراب، وكيف واجه النبي عليه الصلاة والسلام- رعونته بلطف ورفق، وكان ذلك سببًا في حمايته من الكفر، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يستعينه في شيء- قال عكرمة: أراه في دم. يعني في دية- فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، ثم قال:"أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ ". قال الأعرابي: لا، ولا أَجْمَلْتَ! فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن كُفُّوا. فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، فقال:"إِنَّمَا جِئْتَنا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فَقُلْتَ مَا قُلْتَ". فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم- شيئًا، وقال:"أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ ". فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشير خيرًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّكَ جِئْتَنَا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فقُلتَ ما قُلتَ، وفي أَنْفُسِ أَصْحَابِي عَلَيْكَ مِن ذَلِكَ شَيْءٌ، فإذَا جئتَ فقُلْ بينَ أَيْدِيهِم مَا قلتَ بينَ يَدَيَّ؛ حتَّى يَذْهَبَ عَن صُدُورِهِمْ". قال: نعم. فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ صاحبَكم كانَ جاءَنا فَسأَلَنا فأَعطَيْناهُ فَقَالَ مَا قال، وإِنَّا قَدْ دعَونَاهُ فَأَعطَيناهُ، فزَعَم أنَّه قَد رَضِيَ، كَذَلِكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟ ". فقال الأعرابي: نَعَمْ، فجزاك الله من أهل وعشير خيرًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنَّ مَثَلِي ومَثَلُ هَذَا الأَعْرَابِيِّ كمَثَلِ رَجُلٍ كانتْ لَهُ نَاقَةٌ فَشَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَاتَّبَعها النَّاسُ فَلَم يَزِيدُوها إِلَّا نُفُورًا، فقالَ لَهُمْ صاحبُ الناقةِ: خَلُّوا بَيْنِي وبينَ نَاقَتِي، فَأَنَا أَرْفَقُ بِهَا، وَأَنَا أَعْلَمُ بِهَا، فَتَوَجَّه إِلَيْهَا وأَخَذَ لَهَا مِن قَتَامِ الأَرْضِ ودعَاهَا حتَّى جاءَتْ واسْتَجَابَتْ وشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا، وَإِنِّي لَوْ أَطَعْتُكُمْ حِينَ قَالَ مَا قَالَ لَدَخَلَ النَّارَ". رواه البزار (٢٤٧٦-كشف) ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (٩٩٢) بسند فيه ضعف.