فانظر كيف تلطف النبي صلى الله عليه وسلم- مع هذا الأعرابي، مع أنه جاء يسأل ويطلب مالًا، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المحسن والمعطي، ومع ذلك أغلظ الأعرابي في العبارة، فما كان من صاحب القلب الحنون الرؤوف الرحيم بأمته إلا أن زاده مالًا وزاد في التلطف معه، فكان ذلك سببًا في حمايته من النار؛ لأن قوله: لا، ولا أجملتَ. جحود، وفيه رد على النبي صلى الله عليه وسلم، وسوء أدب، ووصف للنبي صلى الله عليه وسلم- بما لا يليق بمقامه، وفي هذا كفر، وأيضًا كان من الممكن لو لم يزده رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرتد ويكره الإسلام فيكون مصيره إلى النار. أفليس أخوك أولى بمثل هذا اللطف، لاسيما وأن من يحمل مثل هذا الفكر التكفيري؛ أنه في الغالب الذي يدعوه لذلك حرقته على هذا الدين واستنكاره الذل الواقع في الأمة، لكنه أخطأ الفهم بسبب بعض الكتابات التي ربما قرأها، أو الشبه التي سمعها من غيره، فأوصلته إلى هذه القناعة، فهو يحتاج إلى من يناقشه بالعلم والحجة والبرهان مع اللطف والحب والمودة، ثم ما المانع إن كنت لا تملك علمًا في ذلك أن تذهب به إلى عالم أو طالب علم متمكن؛ ليبين له الحق في ذلك، أو تزوده بالكتب التي تبين عقيدة السلف في أمر التكفير، وما أكثرها اليوم في المكتبات! أوتحاول أن تجمعه بأصحاب الفكر الصحيح المستنير بهدي الكتاب والسنة على منهج سلف الأمة، ثم تزوده أيضًا ببعض الكتب والأشرطة التي تعنى بالترغيب في الخلق الحسن وطيب المعاملة ووجوب بر الوالدين وما شابهه مما يهذب خلقه ويعرف به مجانبته الحق في طريقة تعامله مع والديه وبقية أهله.
وخلاصة الأمر أن الرفق واللين وطيب الكلمة والبشاشة من أهم الرسل إلى قلب أخيك، وتأكد أن من شأنها أن تخفف من حدته وخشونته، وفي هذا يقول المعصوم عليه الصلاة والسلام:"إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ". أخرجه مسلم (٢٥٩٤) .
وأما قولك: إن الهجر لمثله راحة. فليس على إطلاقه، فلربما زاده ذلك عنفًا وانحرافًا، ثم لا أتفق معك أن مثله لا ينفع معه نصح ولا توجيه لأنه يبقى بشرًا خاضعًا للتأثر والتأثير بحسب توافر تلك الأدوات التي تعين على قوة التأثير فيه وفي فكره، والتاريخ القديم والمعاصر ممتلئ بالنماذج التي تصور كثيرًا من الناس أنه لا فائدة من نصحها أو التأثير عليها أو الطمع في هدايتها، وإذا بها تتوب وتعود وينصلح حالها، ولا يخفى ما في يأس الإنسان من هداية أحد أو رجوعه عن الباطل من سوء ظن بالله أنه لا يقدر على هداية ذلك الإنسان أو تدركه رحمته، فعليك ألا تيأس، وتحبب إلى أخيك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولن تعدم أثر ذلك الرفق واللين أبدًا، والله معك.
والله أسأل لأخيك الهداية والرشاد، ولنا جميعًا التوفيق والسداد، وشكرًا لحرصك على أمر أخيك، وتفضل بقبول تحياتي وتقديري. والسلام عليكم.