٨- الدخول في زمرة المحبوبين لله - عز وجل -: فالذين يدعون ربهم، ويبتلون بتأخر الإجابة عنهم - يدخلون في زمرة المحبوبين، المُشَرَّفِين بمحبة رب العالمين؛ فهو - سبحانه - إذا أحب قومًا ابتلاهم (١٠) .
وقد جاء في السنة ما يشير إلى أن الابتلاء دليل على محبة الله للعبد؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام -: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" (١١) .
٩- أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والعكس بالعكس: فإذا صحت معرفة العبد بربه علم يقينًا أن المكروهات التي تصيبه، والمحن التي تنزل به، والتي منها تأخر إجابة الدعاء - أنها تحمل في طياتها ضروبًا من المصالح والمنافع لا يحصيها علمه، ولا تحيط بها فكرته.
بل إن مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب؛ فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها، كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها.
قال - تعالى -:" فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" [النساء: ١٩] .
وقال: [وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ] [البقرة: ٢١٦] .
فإذا علم العبد أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، وأن المحبوب قد يأتي بالمكروه - لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ فإن الله يعلم ما لا يعلمه العبد.
وما أجمل قول من قال:
لله في طيِّ المكاره كامنه (١٢) *** كم نعمةٍ لا تستقلُّ بشكرها
ومن قال:
طيِّ الحوادث محبوب ومكروه *** تجري الأمور على حكم القضاء وفي
وربما ساءني ما كنت أرجوه (١٣) *** وربما سرني ما كنت أحذره
قال سفيان بن عيينة- رحمه الله -: (ما يكره العبد خير له مما يحب؛ لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء، وما يحبه يلهيه) (١٤) .
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي- رحمه الله -:
عن الله قد فاز الرَّضيُّ المراقبُ *** إذا اشتدت البلوى تحَفَّفْ بالرضا
على الناس تخفى والبلايا مواهب (١٥) *** وكم نعمةٍ مقرونة ببلية
١٠- تأخر الإجابة سبب لتفقد العبد لنفسه: فقد يكون امتناع الإجابة لآفة في الداعي؛ فربما كان في مطعومه شبهة، أو في قلبه وقت الدعاء غفلة، أو كان متلبسًا بذنوب مانعة.
وتأخر الإجابة قد يبعث الداعي إلى تفقد نفسه، والنظر في حاله مع ربه، فيحصل له من جراء ذلك المحاسبةُ، والتوبةُ، والأوبةُ.
ولو عجلت له دعوته لربما غفل عن نفسه، فظن أنه على خير وهدى، فأهلكه العجب، وفاتته هذه الفائدة.