وورد في رواية أخرى عند الخطيب في تاريخه بلفظ (فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفلتهم فقد هلكوا) . (إتحاف الجماعة ٢/ ١٠٥) . أهكذا يكون النقد العلمي؟ قال الإمام الذهبي يرحمه الله:(ما زال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً، ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل) سير أعلام النبلاء (١٩/٣٤٢) .
فلا بد من التأدب مع العلماء، وأن نعرف لهم مكانتهم، فما فاز من فاز إلا بالأدب، وما سقط من سقط إلا بسوء الأدب.
واعلموا أن الأمة لا تحترم ولا تقدر إلا من يحترم العلماء والأئمة. قال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطباً رجلاً تجرأ على العلماء:(إنما نحترمك ما احترمت الأئمة) ، ولا شك أن أهل العلم أولى الناس، بالاحترام والأدب معهم وحسن الخلق في معاملتهم، ولين الجانب لهم وتقديرهم؛ لأن كل ذلك من الدين ولأجل الدين، وإذا كان العبد مطالب شرعاً بحسن الخلق مع عامة الناس فإن خاصتهم من أهل العلم والديانة أولى بذلك وأحرى. ويمكن أن أجمل المنهج في التعامل مع العلماء وأهل العلم عند رغبة النصح لهم في التالي:
١- يجب الرفق واللين عند تقديم النصح لهم أو تذكيرهم بأمر غفلوا عنه، وهذا أمر مطالب به العبد مع كل الناس، فكيف بالعلماء؟ وقد قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها:(ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه) ، وذلك أيضاً لما تقدم من عظيم مكانتهم وعلو منزلتهم، وتأملي معي هذا الحديث للوقوف على تلك المنزلة لهم، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في
جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) سنن أبي داود ح (٣٦٤١) .
٢- التثبت قبل النقد أو النصح في أمر بلغه عنهم أو سمعه منهم ولم يتحقق مقصودهم منه، والتثبت منهج شرعي أمرنا الله به في كتابه في قوله:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [سورة الحجرات ٤٩/٦] . وإن العلماء بشر يخطئون، ولكن اتهامهم بالخطأ دون تثبت يوقع الإنسان في أمرين خطيرين:
الأول: أن يكون اتهامهم بالخطأ غير صحيح، فيخطئهم المخطئ فيما هم فيه مصيبون، أو يتهمهم بما ليس فيهم. إذ من الناس من تأخذه العجلة والنظرة الخاطئة للأمور فيحمل كلام الناس على الشر أو الخطأ، ومن الناس من يكون إنكاره على عالم بسبب جهله بحال ذلك العالم، فيسمع منه شيئاً محتملاً أو مجملاً ويجهل أشياء مبينة لتلك المجملات المحتملات فلا تجده يرجع للعالم يتثبت منه أو من غيره، فيطير بالأمر الذي سمعه على أنه خطأ شنيع وجرم فظيع وهو ليس كذلك.