للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جوابا على السؤال حول تباين دلالة لفظ (الإنزال) في موضعين في القرآن الكريم بين الإنزال الحسي للحديد والإنزال المعنوي للأنعام وللقرآن وما شابه تبعا للسياق وكليهما حقيقة واقعة؛ أقول مستعينا بالله تعالى: إن ظاهرة تباين دلالة اللفظ تبعا للسياق من الخصائص الأساسية في لغات التخاطب وهي أجلى ما تكون في لغة القرآن الكريم, وسماها اللغويون "الوجوه", والدلالات المعجمية لنفس اللفظ لا يتحدد إحداها إلا من خلال السياق, وكمثال على ذلك قوله تعالى: (بَقَرَةٌ لاّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ) [البقرة:٧١] ؛ فليس المراد هنا بلفظ (الأرض) الكرة الأرضية لأن المقام يتعلق بمشهد معلوم وهو إثارة بقرة للغبار ولذا يستقيم أن يكون المراد بلفظ (الأرض) هو التربة, وفي قوله تعالى: (مَن كَانَ يَظُنّ أَن لّن يَنصُرَهُ اللهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السّمَآءِ ثُمّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) [الحج: ١٥] ؛ ليس المراد بلفظ (السماء) هنا مطلق الكون أو الجو الذي يعلونا لأن المقام يتعلق بمشهد معلوم وهو مشنوق مربوط إلى ما يعلوه وهو السقف عادة.

ومن يتتبع مدار لفظ (أنزلنا) في القرآن الكريم يجده متعلقا بأمر جلل استوجب التعبير بالتعظيم, وفي مقام النعمة يجد أن فيض الطيف الدلالي يتباين من مقام إلى آخر بين الحسي والمعنوي مع قاسم مشترك من الدلالات مثل التفضل والإنعام من العلي القدير وسبق التقدير من الحكيم العظيم إلى المحتاج الضئيل بما يستوجب الامتنان والتعظيم, وفي مقام النقمة يتجلى معنى الاقتدار والتهويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>