والدلالة الحسية في (أنزلنا) لا تُستبعد إلا بقرائن صارفة ولا تنفي الدلالة المعنوية, وفي قوله تعالى:(يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مّن رّبّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مّبِينا)[النساء: ١٧٤] ؛ يتعلق المقام بوصف القرآن كنعمة تستوجب الامتنان لما فيه من رحمة للبشرية فناسبه تعبير (الإنزال) , وهو كقوله تعالى:(وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)[الزمر:٦] ؛ وأجناسها على النحو التالي: الضأن والمعز والإبل والبقر, وتمثل لحومها وألبانها أهم مصادر الغذاء لسكان البادية, وتعبير (الإنزال) يكشف مدى الرحمة والإنعام في إيجاد تلك المواشي المعبر عنها بلفظ (الأنعام) , وفي قوله تعالى:(وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىَ حِينٍ)[النحل:٨٠] ؛ منافع إضافية غير اللحوم والألبان وهي منتجات الجلود كالصوف في زمهرير الصحراء, ولبيان هذا الإنعام في اللباس خاصة ناسب التعبير عن هذا (الجعل) بلفظ (الإنزال) ضمن مصادر اللباس في تاريخ البشرية؛ وذلك في قوله تعالى:(يَابَنِيَ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ)[الأعراف:٢٦] ، ولذا فقد أصاب المفسرون في توجيه دلالة لفظ (الإنزال) في مثل هذا المقام إلى معاني كالإنعام والجعل والإيجاد.