عاش الإمام أحمد رحمه الله طفولته في كنف أم ترأمه، وتدفعه إلى العلا، وتكنف مواهبه لتزكو، وتنمو ولئلا تنطفئ أو تخبو وكانت لوائح النجابة تظهر منه زمن الصبا، وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيراً، وعلمه به متوافراً، وربما يريد البكور فتأخذ أمه ثيابه وتقول: حتى يؤذن الناس، أو حتى يصبحوا وقد اختارت أسرته له منذ صباه أن يكون رجل دين، فوجهته إلى حفظ القرآن الكريم، فاستحفظه وأتقنه.
وكان في موضع إعجاب من الناس حوله، فقد ذكر ابن الجوزي عن أبي سراح بن خزيمة، وهو ممن كان مع أحمد في الكتاب - إن أبي جعل يعجب من أدب أحمد، وحسن طريقته، فقال لنا ذات يوم أنا أنفق على ولدي وآتيهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم انظر كيف يخرج؟ وجعل يعجب.١
وأظهر في هذه الفترة جودة الخط، وحسن التعبير، وكان محل ثقة الذين يعرفونه من الرجال والنساء، حتى أنه ليروى أن الرشيد كان بالرقة
١ مناقب الإمام أحمد ص٤٤-٥٧، وراجع: المنهج الأحمد ١/٥٤، ابن حنبل ص٢١ وأصول مذهب الإمام أحمد ص٣٣.