الهبات والعطايا دون غيرهم أن دب في نفوس العرب دبيب الغيرة والحسد لهؤلاء الأتراك، مما أدى إلى إقصاء قواد العرب والفرس تدريجياً، ووقوع المعتصم في أيدي قواده الأتراك.
كما كان لاعتماد المعتصم على الأتراك أثر سيئ في نفوس العرب فثاروا في بلاد الشام تحت زعامة أبي حرب المبرقع اليماني.
وكان هؤلاء حرباً عليه وعلى خلفائه من بعده، وتلا ذلك فساد واضطراب في بغداد حاضرة الدولة، والأقاليم التابعة لها ومضى القرن الأول العباسي والأندلس للأمويين، والمغرب الأقصى للأدارسة، وإفريقيا للأغالبة، وخراسان لآل طاهر بن الحسين، والفرس والترك وطوائف من العرب حرب للدولة يكيدون لها المكايد ويتربصون بها الدوائر.
وقد نأى الإمام أحمد عن الخلافة، واعتزلها، وامتنع عن أخذ الأعطيات وترك السياسة إلى العلم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يشايع الولاة، ولم يحرّض عليهم وعاش راغباً عن العطاء، ومع ذلك فقد قاوم مذاهبهم المنحرفة، مثل القول بخلق القرآن ووقف كالطود الشامخ في تلك الفتنة التي لم يثبت فيها إلا القلة بينما كان الإمام إسحاق بن راهوية الذي سكن خراسان كان على علاقة وثيقة مع واليها عبد الله بن طاهر، بل يعد من خواص جلسائه، وكان يرجع إليه، ويسأله، ويستفسر منه، فيوضح له. قال الحسين بن محمد المرزوي: سمعت إسحاق بن حنبل ونحن بالعسكر يناشد أبا عبد الله -أحمد- ويسأله الدخول على الخليفة ليأمره