الدولة من كبار الدول، ساست العالم سياسة ممزوجة بالدين والملك فكان أخيار الناس وصلحاؤهم يطيعونها تديناً، والباقون يطيعونها رهبة أو رغبة، ثم مكثت فيها الخلافة والملك حدود ستمائة سنة.
وقال في موضع آخر: كانت دولة كثيرة المحاسن، جمة المكارم أسواق العلوم فيها قائمة، وبضائع الآداب فيها نافقة.
وشعائر الدين فيها معظّمة والخيرات فيها دارّة، والدنيا عامرة، والحرمات مرعية، والثغور محصنة.
وما زالت على ذلك حتى كانت أواخرها، فأنتشر الجبر، واضطرب الأمر، وانتقلت الدولة.١
ويعتبر عصر الخلفاء الذين تقدمت الدارسة عنهم من أفضل عصور الخلافة العباسية وبعد هذا العصر بدأت الخلافة العباسية تميد بالخطوب والفتن وتنافس عليها الخصوم، والعناصر المختلفة، كما تنازع القادة فيما بينهم وكان هذا نذير الفناء والبلاء.
والأئمة الثلاثة أدركوا الدولة العباسية وهي في قمة مجدها، وعظمة قوتها، وحضارتها لا سيما أيام الرشيد، وولده المأمون كما أدركوها وهي تنحدر من هذه القمة إلى مهاوي الانقسام السياسي والعصبي، وكان من أثر السياسة التي سار عليها المعتصم في الاستعانة بالأتراك، وأزجل لهم
١ تاريخ الإسلام ٢/٢١، والفخري في الآداب السلطانية ١٢٥-١٣٤.