ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن، فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها، كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في علم الأصول، فكيف بالكتمان، ولو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- علمهم شيئًا من ذلك لنقل إلينا، فإذ لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع. ومما يقوي عدم المشروعية قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة" أخرجه مسلم (٢/ ١٨٨) والترمذي (٤/ ٤٢) وصححه، وأحمد (٢/ ٢٨٤، ٣٣٧، ٣٧٨، ٣٨٨) من حديث أبي هريرة. وله شاهد من حديث الصلصال بن الدلهمس، رواه البيهقي في (الشعب) كما في (الجامع الصغير)، فقد أشار -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أن القبور ليست موضعًا للقراءة شرعًا، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت ونهي عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها، كما أشار في الحديث الآخر إلى أنها ليست موضعًا لصلاة أيضًا، وهو قوله: "صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا". أخرجه مسلم: (٢/ ١٨٧) وغيره عن ابن عمر، وهو عند البخاري بنحوه، وترجم له بقوله: بـ (باب كراهية الصلاة في المقابر) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر، فكذلك حديث أبي هريرة يفيد كراهة قراءة القرآن في المقابر، ولا فرق. ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وغيرهم كراهة للقراءة عند القبور، وهو قول الإمام أحمد فقال أبو داود في مسائله (ص ١٥٨): (سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا) ".