بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا وقول الآخر: ما الحازم الشهم مقداما ولا بطل ... إن لم يكو للهوى بالحق غلابا ولم يحسن قول الآخر: وما كنت ذا نيرب فيهم ... ولا منمش فيهم منمل (النيرب: النميمة، ومنمشن ومنمل: أي نمام). لقلة دخول الباء على خبر "كان" بخلاف خبري "ليس" و"ما". وكما وقع هذا العطف في المجرور، وقع في المجزوم، وقال به الخليل وسيبويه، في قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} وأكن الآية ١٠ من سورة المنافقون ٦٣ قالا فإن معنى لولا أخرتني فأصدق وأكون على الأصل. وكذلك وقع في المرفوع، قال سيبويه واعلم أن ناسا من العرب يغلطون أي يتوهمون على ما مر فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون وذلك على أن معناه معنى الابتداء، والتقدير هم أجمعون، وهذا الحمل على التوهم أو على المعنى شائع في كلام العرب معروف لديهم في باب العطف وغيره، ولكن ابن هشام وأبا حيان ينكران كون الحمل على التوهم في غير باب العطف، ولعل ما يعزز شيوع هذه المسألة في غير هذا الباب ما جاء في الخصائص والحمل على المعنى واسع في هذه اللغة جدا، ومنه قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ}، ثم قال: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ}، قيل فيه إنّه محمول على المعنى حتّى كأنّه قال: أرأيت كالذي حاجّ إبراهيم في ربّه، أو كالذي مرّ على قرية"، ويقول ابن جنّي في موضع آخر: "وباب الحمل على المعنى بحرٌ لا ينكش، ولا يفثج، ولا يؤبى، ولا يغرَّض، ولا يغضغض. . . ".