وأيضًا فقد قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ففرق بين النوعين وقال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وقد ثبت في الصحيح أن اللَّه تعالى قال: "قد فعلت". فلفظ الخطأ وأخطأ عند الإطلاق يتناول غير العامد وإذا ذكر مع النسيان أو ذكر في مقابلة العامد كان نصًا فيه وقد يراد به مع القرينة العمد أو العمد والخطأ جميعًا كما في قراءة ابن عامر؛ وفي الحديث الإلهي -إن كان لفظه كما يرويه عامة المحدثين- "تخطئون" بالضم. وأما اسم الخاطئ فلم يجئ في القرآن إلا للإثم بمعنى الخطيئة كقوله: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} وقوله: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} وقوله: {يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} وقوله: {لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}. وإذا تبين هذا فكل مجتهد مصيب غير خاطئ وغير مخطئ أيضًا إذا أريد بالخطأ الإثم على قراءة ابن عامر ولا يكون من مجتهد خطأ وهذا هو الذي أراده من قال: كل مجتهد مصيب وقالوا: الخطأ والإثم متلازمان فعندهم لفظ الخطأ كلفظ الخطيئة على قراءة ابن عامر وهم يسلمون أنه يخفى عليه بعض العلم الذي عجز عنه لكن لا يسمونه خطأ؛ لأنه لم يؤمر به وقد يسمونه خطأ إضافيًا بمعنى: أنه أخطأ شيئًا لو علمه لكان عليه أن يتبعه وكان هو حكم اللَّه في حقه؛ ولكن الصحابة والأئمة الأربعة -رضي اللَّه عنهم- وجمهور السلف يطلقون لفظ الخطأ على غير العمد؛ وإن لم يكن إثمًا كما نطق بذلك القرآن والسنة في غير موضع كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر". وقال غير واحد من الصحابة كابن مسعود: أقول فيها برأيي فإن يكن صوابًا فمن اللَّه وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان؛ واللَّه ورسوله بريئان منه. وقال علي في قصة التي أرسل إليها عمر فأسقطت -لما قال له عثمان وعبد الرحمن -رضي اللَّه عنهما- أنت مؤدب ولا شيء عليك- إن كانا اجتهدا فقد أخطآ وإن لم يكونا اجتهدا فقد غشاك. . .".