وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وإن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن، وهذا ما لا يخفى ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجب قبوله وقطع بكونه قرآنًا، سواء وافق الرسم أم خالفه وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغير وقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول، ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف. قال الإمام الكبير أبو شامة في "مرشده": وقد شاع على السنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة، أي: كل فرد فرد ما روي عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند اللَّه واجب ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها. وقال الشيخ أبو محمد إبراهيم بن عمر الجعبري: أقول: الشرط واحد، وهو صحة النقل، ويلزم الآخران، فهذا ضابط يعرف ما هو من الأحرف السبعة وغيرها، فمن أحكم معرفة حال النقلة وأمعن في العربية وأتقن الرسم انحلت له هذه الشبهة". (١) هو: قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، أبو الخطاب السدوسي البصري، (٦١ - ١١٨ هـ = ٦٨٠ - ٧٣٧ م): مفسر حافظ ضرير أكمه، قال الإمام أحمد ابن حنبل: قتادة أحفظ أهل البصرة، وكان مع علمه بالحديث، رأسًا في العربية ومفردات اللغة وأيام العرب والنسب، وكان يرى القدر، وقد يدلس في الحديث، مات بواسط في الطاعون. ينظر: الأعلام (٥/ ١٨٩).