فلو كان للخلاف في هذه الحالة مجال لجرى خلاف في الاستحباب وفصل بعض المتأخرين فقال: إن قامت قرينة تقتضي أن المراد بالأمر الأول التبليغ كان ذلك أمرًا للثاني وإلا فلا وهو حسن والحق التفصيل إن كان للأول بأمر الثالث فالأمر الثاني بالأمر الثالث وإلا فلا، ومعنى هذه المسألة أن الشارع إذا أمر مبلغًا بشيء فهل هو أمر للمأمور الثاني بذلك كما لو توجه نحوه الأمر من غير واسطة والجمهور على أنه ليس كذلك، ونقل فيه خلاف ولم يسم قائله، نعم الخلاف بين أصحابنا الفقهاء مشهور في أن الصبي مأمور بأمر الولي فقط أو مأمور بأمر الشارع ورجحوا الأول وذلك نظر إلى وضع اللفظ فقط وجنوح إلى أن الصبي خارج عن حكم الخطاب وهو مقتضى حد الحكم بأنه الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين والأحسن التفصيل المذكور، ومثل جماعة منهم الغزالي هذه المسألة بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الآية وقالوا: إن ذلك بمجرده لا يقتضي وجوب الإعطاء إلا من جهة وجوب طاعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجملة وفيه نظر؛ لأنه ليس أمرًا إلا بطريق التضمن الذي اقتضاه وجوب طاعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بل هذه الآية ترجع إلى أن ما لا يتم الشيء المأمور به وليس من فعل المكلفين هل يكون مأمورًا به أم لا ولا تعلق لذلك بهذه المسألة".