قوله عليَّ المشي لمسجد إن لم يكن لاعتكاف بل وإن كان لاعتكاف. قال الشارح: لو قال: (وإتيان) لكان أحسن؛ لأن ظاهره: جواز إتيانه راكبًا، وليس كذلك؛ ففي الرسالة: وأما غير الثلاثة فلا يأتيها ماشيًا ولا راكبًا لصلاة نذرها، وليصل بموضعه إلا المسجد القريب جدًا كأميال فمن نذر المشي إليه فقولان في لزوم المشي وعدمه تحتملهما المدونة؛ ففيها: من نذر الصلاة في غيرها من سائر الأمصار صلى بموضعه، وفيها أيضًا: من نذر جوار مسجد مثل جوار مكة لزمه ذلك فيه. قال الشارح: ولعل سبب احتمالهما قولها: ومن نذر إلى آخره ولغا مشي للمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، أو إيليا، وهو القدس، فلا يلزمه مشي ولا ركوب لهما إن لم ينو صلاة بمسجديهما، فإن نواهما لزمه الإتيان لهما راكبًا لا ماشيًا، إن شاء، أو إن لم يسمهما، أي: المسجدين، فإن سماهما فقال:(عليّ المشي لمسجد الرسول) أو: لـ (مسجد القدس) لزمه إتيانهما، وإن لم ينو الصلاة فيهما، فيركب إن شاء إذا أباهما وكأنه لما سماهما قال:(للَّه عليَّ أن أصلي فيهما) ونحوه في المدونة. وهل لزوم إتيان أحد المساجد الثلاثة مطلقًا، وإن كان ناذر المشي ببعضها فاضلًا كان ما هو فيه أو مفضولًا، ابن بشير: وهو الظاهر من المذهب، وعبر عنه ابن الحاجب بالأصح. أو يلزم إلا لكونه بأفضل فلا يلزم أن يأتي المفضول، وإن كان في المفضول أتى للفاضل، ابن الحاجب: وهو المشهور؟ خلاف، وجعله صاحب الشمائل ترددًا.
تنكيت: إذا علمت أن النقل كما قدمناه فقول البساطي: (الذي يظهر لنا إلى آخره) سهو؛ لأنه قدم أنه يلزمه إذا سمى أو نوى، فكيف يقول بعد ذلك: اللزوم مقيد بأن يكون ببعضها غير ظاهر؛ لأن المصنف كثيرًا ما يقع أنه يذكر الحكم محروسًا به، ثم يقول: هل هو مطلق أو مقيد. والمدينة أفضل من مكة عند مالك ثم مكة أفضل من القدس، ثم القدس أفضل من غيره من المساجد، حتى المنسوبة له عليه السلام، كمسجد قبا ونحوه، وقيل: مكة أفضل من المدينة، وهو مذهب الشافعي وجماعة، والخلاف في ذلك شهير، وهو ما عدا موضع قبره الشريف؛ فإنه أفضل البقاع بالإجماع.