للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرحمن الرحيم في الفريضة سرًا ولا جهرًا إمام ولا غيره، وذلك في النافلة واسع، وإن شاء قرأ أو ترك ولا يتعوذ في المكتوبة. انتهى. وعليه عمل أهل المدينة.

[فائدة]

ذكر القرافي من المالكية والغزالي من الشافعية وجماعة أن من الورع الخروج من الخلاف (١)، كـ: قراءة البسملة أول الفاتحة، وخالفهم في ذلك جماعة.


(١) قد قيد هذا الورع الشاطبي في الموافقات (١/ ١٦٣، وما بعدها) في حديثه عن المقدمة الثالثة عشرة، فقال: "كل أصل علمي يتخذ إمامًا في العمل؛ فلا يخلو إما أن يجري به العمل على مجاري العادات في مثله، بحيث لا ينخرم منه ركن ولا شرط، أو لا، فإن جرىح فذلك الأصل صحيح، وإلا؛ فلا.
وبيانه أن العلم المطلوب إنما يراد -بالفرض- لتقع الأعمال في الوجود على وفقه من غير تخلف، كانت الأعمال قلبية أو لسانية، أو من أعمال الجوارح، فإذا جرت في المعتاد على وفقه من غير تخلف؛ فهو حقيقة العلم بالنسبة إليه، وإلا لم يكن بالنسبة إليه علمًا لتخلفه، وذلك فاسد؛ لأنه من باب انقلاب العلم جهلًا.
ومثاله في علم الشريعة الذي نحن في تأصيل أصوله: أنه قد تبين في أصول الدين امتناع التخلف في خبر اللَّه تعالى، وخبر رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وثبت في الأصول الفقهية امتناع التكليف بما لا يُطاق، وألحق به امتناع التكليف بما فيه حرج خارج عن المعتاد، فإذًا؛ كل أصل شرعي تخلف عن جريانه على هذه المجاري، فلم يطرد، ولا استقام بحسبها في العادة؛ فليس بأصل يعتمد عليه، ولا قاعدة يستند إليها.
ويقع ذلك في فهم الأقوال، ومجاري الأساليب، والدخول في الأعمال.
فأما فهم الأقوال؛ فمثل قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: ١٤١]، إن حُمل على أنه إخبار؛ لم يستمر مخبره لوقوع سبيل الكافر على المؤمن كثيرًا بأسره وإذلاله؛ فلا يمكن أن يكون المعنى إلا على ما يصدقه الواقع ويطرد عليه، وهو تقرير الحكم الشرعي؛ فعليه يجب أن يُحمل.
ومثله قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣]، إن حُمل على أنه تقرير حكم شرعي؛ استمر وحصلت الفائدة، وإن حُمل على أنه إخبار بشأن الوالدات؛ لم تتحكم فيه فائدة زائدة على ما عُلم قبل الآية.
وأما مجاري الأساليب؛ فمثل قوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} إلخ [المائدة: ٩٣]. =

<<  <  ج: ص:  >  >>