للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فهذه صيغة عموم تقتضي بظاهرها دخول كل مطعوم، وأنه لا جناح في استعماله بذلك الشرط، ومن جملته الخمر، لكن هذا الظاهر يفسد جريان الفهم في الأسلوب، مع إهمال السبب الذي لأجله نزلت الآية بعد تحريم الخمر؛ لأن اللَّه تعالى لما حرم الخمر؛ قال: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ٩٣]، فكان هذا نقضًا للتحريم، فاجتمع الإذن والنهي معًا؛ فلا يمكن للمكلف امتثال.
ومن هنا خطأ عمر بن الخطاب من تأول في الآية أنها عائدة إلى ما تقدم من التحريم في الخمر، وقال له: "إذا اتقيت اجتنبت ما حرم اللَّه".
إذ لا يصح أن يقال للمكلف: "اجتنب كذا"، ويؤكد النهي بما يقتضي التشديد فيه جدًا، ثم يقال: "فإن فعلت؛ فلا جناح عليك".
وأيضًا؛ فإن اللَّه أخبر أنها تصد عن ذكر اللَّه، وعن الصلاة، وتوقع العداوة والبغضاء بين المتحابين في اللَّه، وهو بعد استقرار التحريم كالمنافي لقوله:
{إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: ٩٣]؛ فلا يمكن إيقاع كمال التقوى بعد تحريمها إذا شربت؛ لأنه من الحرج أو تكليف ما لا يُطاق.
وأما الدخول في الأعمال؛ فهو العمدة في المسألة، وهو الأصل في القول بالاستحسان والمصالح المرسلة؛ لأن الأصل إذا أدى القول بحمله على عمومه إلى الحرج أو إلى ما لا يمكن شرعًا أو عقلًا؛ فهو غير جار على استقامة ولا اطراد، فلا يستمر الإطلاق، وهو الأصل أيضًا لكل من تكلم في مشكلات القرآن أو السنة، لما يلزم في حمل مواردها على عمومها أو إطلاقها من المخالفة المذكورة، حتى تقيد بالقيود المقتضية للاطراد والاستمرار فتصح، وفي ضمنه تدخل أحكام الرخص، إذ هو الحاكم فيها، والفارق بين ما تدخله الرخصة وما لا.
ومن لم يلاحظه في تقرير القواعد الشرعية؛ لم يأمن الغلط، بل كثيرًا ما تجد خرم هذا الأصل في أصول المتبعين للمتشابهات، والطوائف المعدودين في الفرق الضالة عن الصراط المستقيم، كما أنه قد يعتري ذلك في مسائل الاجتهاد المختلف فيها عند الأئمة المعتبرين والشيوخ المتقدمين.
وسأمثل لك بمسألتين وقعت المذاكرة بهما مع بعض شيوخ العصر. .
والثانية: مسألة الورع بالخروج عن الخلاف؛ فإن كثيرًا من المتأخرين يعدون الخروج عنه في الأعمال التكليفية مطلوبًا، وأدخلوا في المتشابهات المسائل المختلف فيها.
ولا زلت منذ زمان أستشكله؛ حتى كتبت فيها إلى المغرب، وإلى أفريقية؛ فلم يأتني جواب بما يشفي الصدر، بل كان من جملة الإشكالات الواردة؛ أن جمهور مسائل الفقه مختلف فيها اختلافًا يعتد به، فيصير إذًا أكثر مسائل الشريعة من المتشابهات، وهو خلاف وضع الشريعة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>