هذه جملة اعتل بها أصحاب مالك وغيرهم ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الجزية تؤخذ من المجوس لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ الجزية من مجوس أهل البحرين ومن مجوس هجر وفعله بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي اللَّه عنهم-. واختلف الفقهاء في مشركي العرب ومن لا كتاب له هل تؤخذ منهم الجزية أم لا؟ فقال مالك تقبل الجزية من جميع الكفار عربًا كانوا أو عجمًا لقوله اللَّه -عز وجل-: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩]. قال وتقبل من المجوس بالسنة. وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وأبي ثور، وأحمد، وداود، وإليه ذهب عبد اللَّه بن وهب. وقال الأوزاعي ومالك وسعد بن عبد العزيز: إن الفرازنة ومن لا دين له من أجناس الرتك والهند وعبدة النيران والأوثان وكل جاحد ومكذب بدين اللَّه عز وجل يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية فإن بذلوا الجزية قبلت منهم وكانوا كالمجوس في تحريم مناكحهم وذبائحهم وسائر أمورهم. قال أبو عبيد: كل عجمي تقبل منه الجزية، إن بذلها، ولا تقبل من العرب، إلا من كتابهم. وحجة من رأى الجزية القياس على المجوس؛ لأنهم في معناهم في أن لا كتاب لهم وقد تقدمت حجة الشافعي ومن قال بقوله. وفي قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" دليل على أنهم ليسوا أهل كتاب، وعلى ذلك جمهور العلماء". فالعجب من التتائي كيف قال ذلك، وما مصدره فيه، ولعله لما رأى أن المذهب لا تأكل ذبائحهم، توهم أن الجزية لا تؤخذ منهم، فلو أخذت منهم، لكانوا مثل أهل الكتاب، ولو كانوا مثلهم لحلت ذبائحهم، وعلى كل فهذا احتمال، وكان ينبغي عليه البحث عن النص.