ومثل لذلك بمثالين، أشار لأحدهما بقوله: كفسخ لنكاح رفع إليه برضع كبير، بسبب أن أحدهما رضع أم الآخر، وهو كبير، فالقدر الثابت في هذا الحكم هو فسخ هذا النكاح فقط، وإنما تحريمها في المستقبل فلا يثبت بهذا الحكم، بل يبقى معرضًا للاجتهاد فيه، فلو عاد هنا الزوج وتزوجها مرة أخرى، أو وقعت جزئية أخرى مثلها في رضاع كبير ورفعت له أو لغيره فلا بد من اجتهاد، فإن اجتهد وأداه اجتهاده إلى أن رضاع الكبير لا ينشر الحرمة أباحها له.
وأشار للمثال الثاني بقوله: وتأبيد منكوحة عدة رفع إليه أنها تزوجت في عدتها، ورأيه مع فسخ نكاحها تأبيد حرمتها، وحكم بذلك، فإن حكمه لا يتعدى الفسخ، فإن تزوجها بعد ذلك، ورفع أمرها بعد تغيير اجتهاده لعدم تأبيد التحريم، أو رفع أمرهما لمن لا يرى التحريم لم يكن الحكم الأول مانعًا من ذلك؛ ولذا قال: وهي -أي: المفسوخ نكاحها لرضاع الكبير أو المحكوم بفسخه لوقوعه في العدة- كغيرها في المستقبل ممن لا يقع له مثل ذلك، ونحوه لابن الحاجب تبعًا لابن شاس، واستصوبه ابن عرفة في مسألة العدة، لا في رضاع الكبير.
ولا يدعو القاضي لصلح بين الخصمين إن ظهر له في الحكم وجهه، ما لم يخش تفاقم الأمر، كما سبق.
[[قضاء القاضي بعلمه: ]]
ولا يستند في حكمه لعلمه (١)، إلا في التعديل والتجريح اتفاقًا،
(١) قال ابن عبد البر في التمهيد (٢٢/ ٢١٧، وما بعدها): "عن أفضل ما يحتج به في أن القاضي لا يقضي بعلمه حديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث أبا جهم على صدقة فلاجه رجل في فريضة فوقع بينهم شجاج فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخبروه فأعطاهم لأرش ثم قال: "إني خاطب الناس ومخبرهم أنكم قد رضيتم أرضيتم؟ قالوا: نعم، فصعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المنبر فخطب وذكر القصة وقال: "أرضيتم؟ "، قالوا: لا، فهم بهم المهاجرون فنزل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعطاهم ثم صعد فخطب =