للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فقال: "أرضيتم؟ ". فقالوا: نعم" وهذا بيِّن لأنه لم يؤاخذهم بعلمه فيهم ولا قضى بذلك عليهم وقد علم رضاهم.
ومن حجة من ذهب إلى أن القاضي له أن يقضي بما علمه لأن البينة إنما تعلمه بما ليس عنده ليعلمه فيقضي به وقد تكون كاذبة وواهمة وعلمه بالشيء أوكد وقد أجمعوا على أن له أن يعدل ويسقط العدول بعلمه فكذلك ما علم صحته وأجمعوا أيضًا على أنه إذا علم أن ما شهد به الشهود على غير ما شهدوا به أنه ينفذ علمه في ذلك دون شهادتهم ولا يقضي.
واحتج بعضهم بأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سودة زوجة أن تحتجب من ابن وليدة زمعة لما علمه ورآه من شبهه بعتبة وقالوا: إنما يقضي بما يسمع فيما طريقه السمع من الإقرار أو البينة وفيما طريقه علمه قضى بعلمه ولهم في هذا الباب منازعات أكثرها تشغيب، والسلف من الصحابة والتابعين مختلفون في قضاء القاضي بعلمه على حسب اختلاف فقهاء الأمصار في ذلك ومما احتج به من ذهب إلى أن القاضي يقضي بعلمه مع ما قدمنا ذكره ما رويناه من طرق عن عروة عن مجاهد جميعًا بمعنى واحد أن رجلًا من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على أبي سفيان بن حرب أنه ظلمه حدًّا في موضع كذا وكذا من مكة فقال عمر: إني لأعلم الناس بذلك وربما لعبت أنا وأنت فيه ونحن غلمان فإذا قدمت مكة فائتني بأبي سفيان، فلما قدم مكة أتاه المخزومي بأبي سفيان فقال له عمر: يا أبا سفيان، انهض إلى موضع كذا، فنهض ونظر عمر فقال: يا أبا سفيان، خذ هذا الحجر من هاهنا فضعه هاهنا فقال: واللَّه لا أفعل، فقال: واللَّه لتفعلن، فقال: لا أفعل، فعلاه عمر بالدرة وقال: خذه لا أم لك وضعه هاهنا فإنك ما علمت قديم الظلم، فأخذ الحجر أبو سفيان ووضعه حيث قال عمر ثم إن عمر استقبل القبلة فقال: اللَّهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه وأذللته لي بالإسلام، قال: فاستقبل أبو سفيان القبلة وقال: اللَّهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الإسلام ما ذللت به لعمر.
ففي هذا الخبر قضى عمر بعلمه فيما قد علمه قبل ولايته والى هذا ذهب أبو يوسف ومحمد والشافعي وأبو ثور سواء عندهم علمه قبل أن يلي القضاء أو بعد ذلك في مصره كان أو في غير مصره له أن يقضي في ذلك كله عندهم بعلمه لأن يقينه في ذلك أكثر من شهادة الشهود الذين لا يقطع على غيب ما شهدوا به كما يقطع على صحة ما علموا.
وقال أبو حنيفة: ما علمه قبل أن يلي القضاء أو رآه في غير مصره لم يقض فيه بعلمه وما علمه بعد أن استقضى أو رآه بمصره قضى في ذلك بعلمه ولم يحتج في ذلك إلى غيره واتفق أبو حنيفة وأصحابه أنه لا يقضي القاضي بعلمه في شيء من الحدود لا =

<<  <  ج: ص:  >  >>