فإن رجع ثالث غرم مع الأولين النصف أثلاثًا على المشهور.
وللمقضي عليه إذا رجع الشاهدان بعد الحكم وقبل الغرم مطالبتهما بالدفع عنه للمقضي له، كما في النوادر، وللمقضي له ذلك، أي: طلبهما، إذا تعذر الغرم من المقضي عليه، كذا في ابن الحاجب، وتبعه هنا؛ لقوله في توضيحه: إنه مقتضى الفقه؛ لأن الشهود غرما غريمه، ثم تعقبه بأنه خلاف ما في الموازية مما معناه: أن الشاهدين لا يلزمهما غرم للمشهود له حتى يغرم المقضي، فيغرمان له حينئذٍ. انتهى.
وتعقب ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب قائلًا: لا أعلم من أين نقله.
وقال ابن عرفة: هو وهم؛ لأنه خلاف المنصوص.
[[العمل عند تعارض البينتين: ]]
ولما فرغ من الكلام على رجوع الشهود ذكر تعارض البينتين، وهو عند الأصوليين تقابلهما على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى الآخر، أو بعض مقتضاه (١).
(١) قال في المسودة في أصول الفقه، ص ٣٨٩، وما بعدها: "وقال القاضي في مسألة تعارض البينتين وأيضًا فإن البينة حجة في الشرع والحجتان إذا تعارضتا ولم يكن لإحداهما مزية على الأخرى كان حظهما السقوط كالنصين والقياسين إذا تعارضا، وقال أيضًا في حديث أبي موسى لما روى فيه أنه قسم مع قيام البينتين وروى أنه لا بينة لهما فقال: وإذا تعارضت الروايتان سقطتا وكذلك قد يذكر مثل هذا في كثير من الروايات المختلفة أنها تتساقط فهذا إن أخذ على ظاهره صار قولًا ثالثًا بأن الأدلة تتكافأ فتتساقط وقد جعله محل وفاق مع الحنفية وغيرهم فكيف والخلاف في التكافؤ والتوقف والتخيير مشهور والتوقف المشهور من قولنا في الأدلة هو إحدى الروايتين عن مالك وقول للشافعي في البينات وأن تأول هذا على تعارض حديثين معينين أو قياسين معينين مع أنه لا بد له في المسألة من دليل غيرهما يعمل به فهذا ممكن ويحمل على حديثين أو قياسين ليس مع أحدهما ما يرجح به لكن هذا يمنع الترجيح بدليل منفصل ويوجب أنه إذا تعارض دليلان متكافئان وعلمنا بثالث كان لسقوطهما لا لرجحان أحدهما فهو مشكل أيضًا اللَّهم إلا أن يفسر ترجيح أحدهما بسقوطهما لكن هذا يخرم عليه ما ذكره في البينات من الفرق بين التساقط والترجيح".