(مسألة): ويجوز أن يرسل فيها الخارص الواحد خلافًا لأحد قولي الشافعي والأصل في ذلك حديث عائشة -رضي اللَّه عنهما-: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبعث عبد اللَّه ابن رواحة فيخرص النخل الحديث، ومن جهة المعنى أن الخارص حاكم لجنس العين المحكوم فيها فجاز أن يكون واحدًا، وأما المحكمان في جزاء الصيد فإنهما يخرجان عن العين من غير جنسها فأشبها المقومين فلا بد أن يكونا اثنين. (فصل) وقوله فيخرص عليهم ويخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاؤوا يريد أن الخارص قد قدر ما يجب في ثمارهم من الزكاة فسلم إليهم الانتفاع بها ويأخذون من الزكاة بما قدره عليهم الخارص وليس ذلك بمضمون عليهم، وإنما ذلك مع السلامة وباللَّه التوفيق. (ش): وهذا كما قال إن ما لا يؤكل رطبًا، وإنما يؤكل يابسًا بعد حصاده فإنه لا يخرص؛ لأن الخرص إنما هو لحاجة انتفاع أهلها بها رطبًا وهذه لا تؤكل رطبة فتحتاج إلى الخرص، ولأن النخيل والأعناب ثمارها بارزة ظاهرة عن أكمامها فيتهيأ فيها الخرص وهذه ثمرتها وحبوبها متوارية في أوراقها فلا يتهيأ فيها الخرص. (فصل) وقلنا إنما هي على أهلها إذا حصدوها ودقوها وطيبوها وخلصت حبًا يريد أن الزكاة تجب عليهم فيها وعليهم تنقيتها وتصفيتها من كل شيء وتخليصها إلى هيئة الادخار والاقتيات ولا يسقط عنهم من زكاتها شيء لأجل الإنفاق عليها، رواه في المدنية ابن دينار عن مالك رحمه اللَّه ووجه ذلك أن هذه الحال التي لا يمكن الانتفاع بها إلا عليها وعلى هذه الهيئة كانوا يؤدون الزكاة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والدليل على ذلك أن التين والعذق لا تجب فيه الزكاة فيجب على أرباب الأموال تمييز الثمرة التي تجب فيها الزكاة مما لا زكاة فيها وما وجبت الزكاة في زيته من الحبوب، فإن على أرباب الأموال تخليصه زيتا؛ لأن تلك حال ادخاره والانتفاع به، ولأن ثفله لا زكاة فيه فيجب عليهم تمييزه. (فصل): وقوله: "وإنما على أهلها فيها الأمانة يؤدون زكاتها إذا بلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة يريد أنهم مؤتمنون في مبلغها وفي وجوب الزكاة فيها، فإذا قالوا: قصرت عن النصاب ائتمنوا في ذلك ولم تؤخذ منهم الزكاة، وإن قالوا قد بلغت النصاب ومبلغها كذا ائتمنوا في ذلك وأخذت منهم الزكاة على حسب ما أقروا به".