للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالتشديد، اسم مِن أسماء سيدنا ومولانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، سمي به لكثرة خصاله المحمودة (١)، وهو أبلغ مِن محمود؛ لأنه مِن الثلاثي المجرد، ومحمد [من] المضاعف؛ للمبالغة (٢).


(١) قال الملا الهروي في جمع الوسائل (٢/ ١٨١): "محمد: اسم مفعول من التحميد مبالغة، نقل من الوصفية إلى الاسمية، يسمى به لكثرة خصاله المحمودة، أو لأنه حمد مرة بعد مرة، أو لأن اللَّه تعالى حمده حمدًا كثيرًا بالغًا غاية الكمال، وكذا الملائكة والأنبياء والأولياء، أو تفاؤلًا؛ لأنه يكثر حمده كما وقع، أو لأنه يحمده الأولون والآخرون وهم تحت لواء حمده، فألهم اللَّه أهله أن يسموه بهذا الاسم لما علم من حميد صفاته".
(٢) فقد تقرر في علم أصول العربية أن الزيادة في المبنى دليل على الزيادة في المعنى، يقول ابن جني في كتابه الخصائص، وهو أجود كتاب ألف في أصول العربية، (٣/ ٢٦٤ - ٢٦٩): "باب في قوّة اللفظ لقوّة المعنى: هذا فصل من العربية حَسَن، منه قولهم: (خَشُن) و: (اخشوشن)، فمعنى (خَشُن) دون معنى (اخشوشن)؛ لِما فيه من تكرير العين وزيادة الواو. ومنه قول عمر -رضي اللَّه عنه-: (اخشوشِنوا وتمعددوا)، أي: اصلُبوا وتناهَوا في الخُشْنة. وكذلك قولهم: (أعشب المكان)، فإذا أرادوا كثرة العُشْب فيه قالوا: (اعشوشب). ومثله (حلا) و (احلولى) و (خَلُق) و (اخلولق)، و (غدِن) و (اغدودن). ومثله باب (فَعَل) و (افتعل)، نحو (قدر) و (اقتدر)، فـ (اقتدر): أقوى معنى من قولهم: (قدر)، كذلك قال أبو العباس، وهو محض القياس. قال اللَّه سبحانه: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}، فـ (مقتدر) هنا أوفق من (قادر) من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر وشدّة الأخذ، وعليه -عندي- قول اللَّه -عز وجل-: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، وتأويل ذلك: أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة أمر يسير ومستصغَر، وذلك لقوله -عزَّ اسمه-: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}، أفلا ترى أن الحسنة تصغر بإضافتها إلى جزائها صِغر الواحد إلى العشرة، ولما كان جزاء السيئة إنما هو بمثلها لم تحتقر إلى الجزاء عنها، فعلم بذلك قوّة فعل السيّئة على فعل الحسنة؛ ولذلك قال -تبارك وتعالى-: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠)}، فإذا كان فعل السيئة ذاهبا بصاحبه إلى هذه الغاية البعيدة المترامية عُظِّم قدرها وفُخِّم لفظ العبارة عنها، فقيل: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)، فزِيد في لفظ فِعل السيئة، وانتقِص من لفظ فعل الحسنة لما ذكرنا، ومثله سواءً بيت الكتاب:
أنا اقتسمنا خُطَّتَيْنا بيننا ... فحملت برة وأحتملت فجارِ
فعبَّر عن البِرّ بالحمل، وعن الفَجْرة بالاحتمال، وهذا هو ما قلناه في قوله -عزَّ اسمه-: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، لا فرق بينهما، وذاكرت بهذا الموضع =

<<  <  ج: ص:  >  >>