للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو مخرج من قوله: (أو في فعل)، وانظر مفهوم قوله: (المسلم) (١).


(١) قال القرطبي في جامعه (١٠/ ١٨٠، وما بعدها): {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)}.
فيه إحدى وعشرون مسألة:
الأولى: - قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ} هذا متصل بقوله تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] فكان مبالغة في الوصف بالكذب؛ لأن معناه لا ترتدوا عن بيعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي: من كفر من بعد إيمانه وارتد فعليه غضب اللَّه. قال الكلبي: نزلت في عبد اللَّه بن أبي سرح ومقيس بن ضبابة وعبد اللَّه بن خطل، وقيس بن الوليد بن المغيرة، كفروا بعد إيمانهم. {إِلَّا مَنْ أُكْرِه} وقال الزجاج: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} بدل ممن يفتري الكذب؛ أي: إنما يفتري الكذب من كفر باللَّه من بعد إيمانه؛ لأنه رأى الكلام إلى آخر الاستثناء غير تام فعلقه بما قبله. وقال الأخفش: "من" ابتداء وخبره محذوف، اكتفي منه بخبر "من" الثانية؛ كقولك: من يأتنا من يحسن نكرمه.
الثانية: قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر، في قول أهل التفسير؛ لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه. قال ابن عباس: أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيبًا وبلالًا وخبابًا وسالمًا فعذبوهم، وربطت سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة، وقيل لها إنك أسلمت من أجل الرجال؛ فقتلت وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين في الإسلام. وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهًا، فشكا ذلك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئن بالإيمان. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن عادوا فعد". وروى منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: أول شهيدة في الإسلام أم عمار، قتلها أبو جهل، وأول شهيد من الرجال مهجع مولى عمر. وروى منصور أيضًا عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار، وسمية أم عمار. فأما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فمنعه أبو طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأخذوا الآخرين فألبسوهم أدرع الحديد، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ منهم الجهد كل مبلغ من حر الحديد والشمس، فلما كان من العشي أتاهم أبو جهل ومعه حربة، فجعل يسبهم ويوبخهم، وأتى سمية فجعل يسبها ويرفث، ثم طعن فرجها حتى خرجت الحربة من فمها فقتلها؛ -رضي اللَّه عنها-. قال: وقال الآخرون ما سألوا إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في اللَّه، فجعلوا يعذبونه ويقولون له: ارجع عن دينك، وهو يقول أحد أحد؛ حتى ملوه، ثم كتفوه وجعلوا في عنقه حبلًا من ليف، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة حتى ملوه وتركوه، قال: فقال عمار: كلنا تكلم بالذي قالوا -لولا أن اللَّه =

<<  <  ج: ص:  >  >>