فإن قلت قد صرح بالكراهة هنا خلاف ما في كتاب الصلاة والواضحة. ففي مختصرها أجاز مالك لمن له سفل وعلو أن يجعل العلو مسجدًا ويسكن السفل ولم يجز له أن يجعل السفل مسجدًا ويسكن العلو وفرق بينهما أنه إذا جعل السفل مسجدًا صار لما فوقه حرمة المسجد، ثم قال الحط وتحقيق هذه المسألة أن المسجد إذا بني للَّه تعالى وحيز عن بانيه فلا ينبغي أن يختلف في أنه لا يجوز البناء فوقه فقد قال القرافي: حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية فهواء الوقف وقف وهواء الطلق طلق وهواء الموات موات وهواء الملك ملك وهواء المسجد له حكم المسجد لا يقر فيه الجنب. ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع هواء المسجد والأوقات إلى عنان السماء لمن أراد غرس خشب حولها ويبنى على رؤوس الخشب سقفًا عليه بنيان ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا فرع واحد وهو إخراج الرواشن والأجنحة عن الحيطان ثم أخذ يبين وجه خروجه فانظره ونحوه في الذخيرة وقواعد المقري. وفي تبصرة اللخمي من بنى للَّه مسجدًا وحيز عنه وأحب أن يبني فوقه فلا يكون له ذلك. وأما إذا كانت له دار لها علو وسفل وأراد أن يحبس السفل مسجدًا ويبقى العلو على ملكه فظاهر ما تقدم للواضحة وابن الحاجب وتابعيه وما يأتي للمصنف في الإحياء أنه لا يجوز ولكن صرح اللخمي بجوازه فقال إثر ما تقدم عنه وإن قال أنا أبنيه للَّه تعالى وأبني فوقه مسكنًا وعلى هذا أبني جاز وكذا لو كانت دار لها علو وسفل فأراد أن يحبس السفل مسجدًا ويبقى العلو على ملكه جاز. اهـ. وينبغي أن يوفق بين هذه النقول ويجعل معنى قوله في (المدونة) لا يعجبني أو لا ينبغي لا يجوز. ويحمل هو وما في الواضحة وابن شاس والقرافي وابن الحاجب والآتي للمصنف في الإحياء على الشق الأول الذي تقدم أنه لا ينبغي أن يختلف في منعه ويحمل ما في جعلها وكلام اللخمي الأخير وما للمصنف هنا على الشق الثاني وإن كان لفظ اللخمي الجواز لأنه لا ينافي الكراهة ويساعد هذا التوفيق كلام ابن ناجي في شرح (المدونة) ونصه على قول التهذيب: ولا يبني. . . إلخ، قال في (الأم): لا يعجبني ذلك لأنه يصير مسكنًا يجامع فيه وذلك كالنص على التحريم ولم أعلم فيه خلافًا. وذكر أبو عمران المظاهر المعلومة التي تدل على الخلاف هل ظاهر المسجد كباطنه أم لا وذلك يوهم جواز البناء عليه على قول. وليس كذلك لما ذكره في الأم مع أن اللفظ يقتضي سبق المسجد فهو تغيير للحبس =