ورحل سنة اثنتين وثلاثين فسمع بمكة من ابن الأعرابي وبالمدينة من المرواني القاضي وبمصر من الزبيري وعبد اللَّه بن جعفر البغدادي وأبي جعفر بن النحاس وأبي بهزاذ وابن أبي مطر وأبي العباس السكري ومحمد بن أيوب الرقي وجماعة وانصرف إلى الأندلس وأقبل على الزهد والعبادة ودراسة العلم. كان حافطا للفقه بصيرًا بالاختلاف عالمًا بالحديث ضابطًا لما رواه متصرفًا في علم النحو واللغة حسن الخطاب والبلاغة لين الكلمة متواضعًا حدث وسمع منه كثير. وذكره الحكم أمير المؤمنين فقال: هو فقيه بمذهب مالك حافظ مقدم من أهل المعرفة بالحديث والرجال وله حظ من الأدب لم يل القضاء بقرطبة أفقه منه ولا أعلم إلا منذر بن سعيد لكنه أرسخ في علم أهل المدينة من منذر. وقال ابن مفرج: كان ابن السليم راسخًا في العلم مجتهدًا في طلبه عالمًا بالحديث والفقه. قال غيره: جمع إلى الرواية الواسعة: جودة استنباط الفقه والفتيا والحذق بالفرائض والحساب والتصرف في البلاغة والشعر والتفنن في العلوم حسن العشرة كريم النفس. وكان جماعة من كبراء العلماء بالأندلس ممن أدركوه قاضيًا كابن زرب وغيره يقطعون على أنه لم يكن في قضاة الأندلس منذ دخلها الإسلام إلى وقته قاض أعلم منه. قال أبو محمد الباجي: ما رأيت في المحدثين مثله. وله كتاب (التوصل لما ليس في الموطأ) واختصار كتاب المروزي في الاختلاف وكتاب (المخمس) في الحديث. وكان مع علمه من أهل الزهد والتقشف والبر. وطال هربه من السلطان إلى أن أنشبته الأقدار فنال رئاسة الدين والدنيا بالأندلس فما استحال عن هديه ولا غرته الدنيا بوجه. وكان قد بلغ به التقشف وطلب الحلال إلى أن كان يصيد السمك بنهر قرطبة ويبيع صيده فيأخذ من ثمنه ما يقتات به ويتصدق بفضله. ونوه الحكم باسمه وقدمه للشورى ثم إلى المظالم الشرطة إلى أن توفي منذر فولاه مكانه قضاء الجماعة وذلك سنة ست وخمسين وجمع له معها الخطبة والصلاة سنة =