قال الصيرفي: وكذا إذا قالوا: فلان كذاب لا بد من بيانه لأن الكذب يحتمل الغلط كقوله: كذب أبو محمد ولما صحح ابن الصلاح هذا القول أورد على نفسه سؤالًا فقال: ولقائل أن يقول: إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح والتعديل وقلما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشيء وهذا حديث ضعيف أو حديث غير ثابت ونحو ذلك واشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر. ثم أجاب عن ذلك بما ذكره المصنف في قوله وأما كتب الجرح والتعديل التي لا يذكر فيها سبب الجرح فإنا وإن لم نعتمدها في إثبات الجرح والحكم به ففائدتها التوقف فيمن جرحوه عن قبول حديثه لما أوقع ذلك عندنا من الريبة القوية فيهم فإن بحثنا عن حاله وانزاحت عنه الريبة وحصلت الثقة به قبلنا حديثه كجماعة في الصحيحين بهذه المثابة كما تقدمت الإشارة إليه. ومقابل الصحيح أقوال: أحدها: قبول الجرح غير مفسر ولا يقبل التعديل إلا بذكر سببه لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها فيبنى المعدل على الظاهر نقله إمام الحرمين والغزالي والرازي في المحصول. الثاني: لا يقبلان إلا مفسرين حكاه الخطيب والأصوليون لأنه كما قد يجرح الجارح بما لا يقدح كذلك يوثق المعدل بما لا يقتضي العدالة كما روى يعقوب الفسوي في تاريخه قال: سمعت إنسانًا يقول لأحمد بن يونس: عبد اللَّه العمري ضعيف قال: إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه، لو رأيت لحيته وهيئته لعرفت أنه ثقة فاستدل على ثقته بما ليس بحجة لأن الحسن الهيئة يشترك فيه العدل وغيره. الثالث: لا يجب ذكر السبب في واحد منهما إذا كان الجارح والمعدل عالمين بأسباب الجرح والتعديل والخلاف في ذلك بصيرًا مرضيًّا في اعتقاده وأفعاله وهذا اختيار القاضي أبي بكر ونقله عن الجمهور واختاره إمام الحرمين والغزالي والرازي والخطيب وصححه الحافظ أبو الفضل العراقي والبلقيني في محاسن الاصطلاح. واختار شيخ الإسلام تفصيلًا حسنًا فإن كان من جرح مجملًا قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنًا من كان إلا مفسرًا لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه ونقدوه كما ينبغي. وهم أيقظ الناس فلا ينقض حكم أحدهم إلا =