فإن قلت: فما العبارة الوافية بما ترون؟ قلت: ما عرفناك أولًا من أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية كما يكون من النظراء أو غير ذلك فنقول مثلًا: لا يلتفت إلى كلام ابن أبي ذيب في مالك وابن معين في الشافعي والنسائي في أحمد بن صالح لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صح لتوفرت الدواعي على نقله وكان القاطع قائضا على كذبه. ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك وإليه أشار الرافعي بقوله: وينبغي أن يكون المزكون برآء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفًا من أن يحملهم ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق وقد وقع هذا لكثير من الأئمة جرحوا بناءً على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب وقد أشار شيخ الإسلام سيد المتأخرين تقي الدين بن دقيق العيد في كتابه (الاقتراح) إلى هذا وقال أعراض: المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام. قلت: ومن أمثلة ما قدمنا قول بعضهم في البخاري تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ فيا للَّه والمسلمين أيجوز لأحد أن يقول البخاري متروك وهو حامل. لواء الصناعة ومقدم أهل السنة والجماعة ثم يا للَّه والمسلمين أتجعل ممادحه مذام فإن الحق في مسألة اللفظ معه إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أن تلفظه من أفعاله الحادثة التي هي مخلوقة للَّه تعالى وإنما أنكرها الإمام أحمد -رضي اللَّه عنه- لبشاعة لفظها. ومن ذلك قول بعض المجسمة في أبي حاتم بن حبان: لم يكن له كبير دين نحن أخرجناه من سجستان لأنه أنكر الحد للَّه فيا ليت شعري من أحق بالإخراج من يجعل ربه محدودًا أو من ينزهه عن الجسمية. وأمثلة هذا تكثر وهذا شيخنا الذهبي رحمه اللَّه من هذا القبيل له علم وديانة وعنده على أهل السنَّة تحمل مفرط فلا يجوز أن يعتمد عليه. ونقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي رحمه اللَّه ما نصه الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا أشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله الناس ولكنه غلب عليه مذهب الإثبات ومنافرة التأويل والغفلة عن التنزيه حتى أثر ذلك في طبعه انحرافًا شديدًا عن أهل التنزيه وميلًا قويًّا إلى أهل الإثبات فإذا ترجم واحدًا منهم =