ومما ينبغي أن يتفقد أيضًا حاله في العلم بالأحكام الشرعية فرب جاهل ظن الحلال حرامًا فجرح به ومن هنا أوجب الفقهاء التفسير ليتوضح الحال. وقال الشافعي -رضي اللَّه عنه- حضرت بمصر رجلًا مزكيًا يجرح رجلًا فسئل عن سببه وألح عليه فقال رأيته يبول قائمًا. قيل: وما في ذلك قال يرد الريح من رشاشه على يده وثيابه فيصلَّى فيه. قيل: هل رأيته قد أصابه الرشاش وصلَّى قبل أن يغسل ما أصابه؟ قال: لا، ولكن أراه سيفعل. قال صاحب البحر: وحكى أن رجلًا جرح رجلًا وقال إنه طين سطحه بطين استخرج من حوض السبيل. ومما ينبغي أيضًا تفقده وقد نصه عليه شيخ الإسلام ابن دقيق العيد الخلاف الواقع بين كثير من الصوفية وأصحاب الحديث فقد أوجب كلام بعضهم في بعض كما تكلم بعضهم في حق الحارث المحاسبي وغيره وهذا في الحقيقة داخل في قسم مخالفة العقائد وإن عده ابن دقيق العيد غيره. والطامة الكبرى إنما هي في العقائد المثيرة للتعصب والهوى نعم وفي المنافسات الدنيوية على حطام الدنيا وهذا في المتأخرين أكثر منه في المتقدمين وأمر العقائد سواء في الفريقين. وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب شرح صحيح مسلم للشيخ محيي الدين النووي وحذف من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات فإن النووي أشعري العقيدة فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفه. وهذا عندي من كبائر الذنوب فإنه تحريف للشريعة وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس وما في أيديهم من المصنفات فقبح اللَّه فاعله وأخزاه وقد كان في غنية عن كتابة هذا الشرح وكان الشرح في غنية عنه. ولنعد إلى الكلام في الجارحين على النحو الذي عرفناك. فإن قلت: فهذا يعود بالجرح على الجارح حيث جرح لا في موضعه. قلت: أما من تكلم بالهوى ونحوه فلا شك فيه وأما من تكلم بمبلغ ظنه فهنا. وقفة محتومة على طالب التحقيقات ومزلة تأخذ بأقدام من لا يبرأ عن حوله وقوته ويكل أمره إلى عالم الخفيات. فنقول: لا شك أن من تكلم في إمام استقر في الأذهان عظمته وتناقلت الرواة ممادحه فقد جر الملام إلى نفسه ولكنا لا نقضي أيضًا على من عرفت عدالته إذا جرح من لم =