فإن قال: الأصل لا أعرفه أو لا أذكره أو نحوه مما يقتضي جواز نسيانه لم يقدح فيه ولا يرد بذلك ومن روى حديثًا ثم نسيه جاز العمل به على الصحيح وهو قول الجمهور من الطوائف أهل الحديث والفقه والكلام خلافًا لبعض الحنفية في قولهم بإسقاطه بذلك ومنكرًا عليه رد حديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد زاد أبو داود في رواية أن عبد العزيز الدراوردي قال: فذكرت ذلك لسهيل فقال: أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه. قال عبد العزيز: وقد كان سهيل أصابته علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه ورواه أبو داود أيضًا من رواية سليمان بن بلال عن ربيعة قال سليمان: فلقيت سهيلًا فسألته عن هذا الحديث فقال: ما أعرفه، فقلت له: إن ربيعة أخبرني به عنك قال: فإن كان ربيعة أخبرك عني فحدث به عن ربيعة عني. فإن قيل: إن كان الراوي معرضًا للسهو والنسيان فالفرع أيضًا كذلك فينبغي أن يسقطا. أجيب بأن الراوي ليس بناف وقوعه ذاكر والفرع جازم مثبت فقدم عليه. قال ابن الصلاح: وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها وكان أحدهم يقول: حدثني فلان عني عن فلان بكذا وصنف في ذلك الخطيب أخبار من حدث ونسي وكذلك الدارقطني من ذلك: ما رواه الخطيب من طريق حماد بن سلمة عن عاصم عن أنس قال: حدثني ابناي عني عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يكره أن يجعل فص الخاتم مما سواه وروى من طريق بشر بن الوليد ثنا محمد بن طلحة حدثني روح أني حدثته بحديث عن زبيد عن مرة عن عبد اللَّه أنه قال: "إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم"، ومن طريق الترمذي صاحب (الجامع) حدثنا محمد بن حميد حدثنا جرير قال: حدثنيه علي بن مجاهد عني وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن الوضوء يوزن، ومن طريق إبراهيم بن بشار ثنا سفيان بن عيينة حدثني وكيع أني حدثته عن عمرو بن دينار عن عكرمة من صياصيهم قال: من حصونهم ولا يخالف هذا كراهية الشافعي وغيره كشعبة ومعمر الرواية عن الأحياء لأنهم إنما كرهوا ذلك لأن الإنسان معرض للنسيان فيبادر إلى جحود ما روي عنه وتكذيب الراوي له وقيل إنما كره ذلك لاحتمال أن يغير المروى عنه عن الثقة والعدالة بطارئ يطرأ عليه يقتضي رد حديثه المتقدم. =