قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور: وكذلك القصاص بينهما فيما دون النفس. وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة: لا قصاص بينهما فيما دون النفس وإنما هو في النفس بالنفس، وهما محجوجان بإلحاق ما دون النفس بالنفس على طريق الأحرى والأولى، على ما تقدم. العاشرة: قال ابن العربي: ولقد بلغت الجهالة بأقوام إلى أن قالوا: يقتل الحر بعبد نفسه، ورووا في ذلك حديثا عن الحسن عن سمرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتل عبده قتلناه" وهو حديث ضعيف. ودليلنا قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: ٣٣] والولي ههنا السيد، فكيف يجعل له سلطان على نفسه". وقد اتفق الجميع على أن السيد لو قتل عبده خطأ أنه لا تؤخذ منه قيمته لبيت المال، وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا قتل عبده متعمدا فجلده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به". فإن قيل: فإذا قتل الرجل زوجته لم لم تقولوا: ينصب النكاح شبهة في درء القصاص عن الزوج، إذ النكاح ضرب من الرق، وقد قال ذلك الليث بن سعد. قلنا: النكاح ينعقد لها عليه، كما ينعقد له عليها، بدليل أنه لا يتزوج أختها ولا أربعًا سواها، وتطالبه في حق الوطء بما يطالبها، ولكن له عليها فضل القوامة التي جعل اللَّه له عليها بما أنفق من ماله، أي بما وجب عليه من صداق ونفقة، فلو أورث شبهة لأورثها في الجانبين. قلت: هذا الحديث الذي ضعفه ابن العربي وهو صحيح، أخرجه النسائي وأبو داود، وتتميم متنه: "ومن جدعه جدعناه ومن أخصاه أخصيناه". وقال البخاري عن علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، وأخذ بهذا الحديث. وقال البخاري: وأنا أذهب إليه، فلو لم يصح الحديث لما ذهب إليه هذان الإمامان، وحسبك بهما. ويقتل الحر بعبد نفسه، قاله النخعي والثوري في أحد قوليه. وقد قيل: إن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، واللَّه أعلم. واختلفوا في القصاص بين العبيد فيما دون النفس، هذا قول عمر بن عبد العزيز وسالم بن عبد اللَّه والزهري وقران ومالك والشافعي وأبو ثور. وقال الشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة: لا قصاص بينهم إلا في النفس. قال ابن المنذر: الأول أصح.