قلت: ولا تعارض بين الحديثين؛ فإنه يحتمل أن يكون كل واحد منهما حلف فبر اللَّه قسمهما. وفى هذا ما يدل على كرامات الأولياء على ما يأتي بيانه في قصة الخضر إن اللَّه تعالى. فنسأل اللَّه التثبت على الإيمان بكراماتهم وأن ينظمنا في سلكهم من غير محنة ولا فتنة. الثالثة والعشرون - أجمع العلماء على أن قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} أنه في العمد؛ فمن أصاب سن أحد عمدًا ففيه القصاص على حديث أنس. واختلفوا في سائر عظام الجسد إذا كسرت عمدًا؛ فقال مالك: عظام الجسد كلها فيها القود إلا ما كان مخوفًا مثل الفخذ والصلب والمأمومة والمنقلة والهاشمة، ففي ذلك الدية. وقال الكوفيون: لا قصاص في عظم يكسر ما خلا السن؛ لقوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} وهو قول الليث والشافعي. قال الشافعي: لا يكون كسر ككسر أبدًا؛ فهو ممنوع. قال الطحاوي: اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس؛ فكذلك في سائر العظام. والحجة لمالك حديث أنس في السن وهي عظم؛ فكذلك سائر العظام إلا عظما أجمعوا على أنه لا قصاص فيه؛ لخوف ذهاب النفس منه. قال ابن المنذر: ومن قال لا قصاص في عظم فهو مخالف للحديث؛ والخروج إلى النظير غير جائز مع وجود الخبر. قلت: ويدل على هذا أيضًا قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وما أجمعوا عليه فغير داخل في الآي. واللَّه أعلم وباللَّه التوفيق. الرابعة والعشرون - قال أبو عبيد في حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الموضحة، وما جاء عن غيره في الشجاع. قال الأصمعي وغيره: دخل كلام بعضهم في بعض؛ أول الشجاج - الخاصة وهي: التي تحرص الجلد -يعني التي تشقه قليلا- ومنه قيل: حرص القصار الثوب إذا شقه؛ وقد يقال لها: الحرصة أيضًا. ثم الباضعة -وهي: التي تشق اللحم تبضعه بعد الجلد. ثم المتلاحمة- وهي: التي أخذت في الجلد ولم تبلغ السمحاق. والسمحاق: جلدة أو قشرة رقيقة بين اللحم والعظم. وقال الواقدي: هي عندنا الملطى. وقال غيره: هي الملطاة، قال: وهي التي جاء فيها الحديث: "يقضى في الملطاة بدمها". ثم الموضحة -وهي: التي تكشط عنها ذلك القشر أو تشق حتى يبدو =