للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وما أصيب به من سوط أو عصًا أو حجر فكان دون النفس فهو عمد، وفيه القود؛ وهذا قول جماعة من أصحاب الحديث. وفي البخاري وأقاد عمر من ضربة بالدرة، وأقاد علي بن أبي طالب من ثلاثة أسواط. واقتص شريح من سوط وخموش. وقال ابن بطال: وحديث لد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهل البيت حجة لمن جعل القود في كل ألم وإن لم يكن جرح.
الثامنة والعشرون - واختلفوا في عقل جراحات النساء؛ ففي "الموطأ" عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل، إصبعها كإصبعه وسنها كسنه، وموضحتها كموضحته، ومنقلتها كمنقلته. قال ابن بكير، قال مالك: فإذا بلغت ثلث دية الرجل كانت على النصف من دية الرجل. قال ابن المنذر: روينا هذا القول عن عمر وزيد بن ثابت، وبه قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والزهري وقتادة وابن هرمز ومالك وأحمد بن حنبل وعبد الملك بن الماجشون. وقالت طائفة: دية المرأة على النصف من دية الرجل فيما قل أو كثر؛ روينا هذا القول عن علي بن أبي طالب، وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور والنعمان وصاحباه؛ واحتجوا بأنهم لما أجمعوا على الكثير وهو الدية كان القليل مثله، وبه نقول.
التاسعة والعشرون - قال القاضي عبد الوهاب: وكل ما فيه جمال منفرد عن منفعة أصلًا ففيه حكومة؛ كالحاجبين وذهاب شعر اللحية وشعر الرأس وثديي الرجل وأليته. وصفة الحكومة أن يقوم المجني عليه لو كان عبدًا سليمًا، ثم يقوم مع الجناية فما نقص من ثمنه جعل جزءًا من ديته بالغًا ما بلغ، وحكاه ابن المنذر عن كل من يحفظ عنه من أهل العلم؛ قال: ويقبل فيه قول رجلين ثقتين من أهل المعرفة. وقيل: بل يقبل قول عدل واحد. واللَّه سبحانه أعلم. فهذه جمل من أحكام الجراحات والأعضاء تضمنها معنى هذه الآية، فيها لمن اقتصر عليها كفاية، واللَّه الموفق للهداية بمنه وكرمه.
الموفية ثلاثين - قوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} شرط وجوابه؛ أي تصدق بالقصاص فعفا فهو كفارة له، أي لذلك المتصدق. وقيل: هو كفارة للجارح فلا يؤاخذ بجنايته في الآخرة؛ لأنه يقوم مقام أخذ الحق منه، وأجر المتصدق عليه. وقد ذكر ابن عباس القولين، وعلى الأول أكثر الصحابة ومن بعدهم، وروي الثاني عن ابن عباس ومجاهد، وعن إبراهيم النخعي والشعبي بخلاف عنهما؛ والأول أظهر لأن العائد فيه يرجع إلى مذكور، وهو {مِنْ}. وعن أبي الدرداء عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من مسلم يصاب بثيء من جسده فيهبه إلا رفعه اللَّه به درجة وحط عنه به خطيئة". قال ابن العربي: والذي يقول إنه إذا عفا عنه المجروح عفا اللَّه عنه لم يقم عليه دليل؛ فلا معنى له".

<<  <  ج: ص:  >  >>