وممن قال بإثبات شبه العمد ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد حكاه عنهم ابن حبيب ورواه العراقيون عن مالك أيضًا، قال ابن عبد البر في الاستذكار (٨/ ٤٣، وما بعدها): "قال أبو عمر ليس عند مالك في قتل العمد دية معلومة وإنما فيه القود إلا في عهد الرجل إلى ابنه بالضرب والأدب في حين الغضب كما صنع المدلجي بابنه فإن فيه عنده الدية المغلظة ولا قود وسنذكر ذلك في ما بعد إن شاء اللَّه عز وجل. فإن اصطلح القاتل عمدًا وولي المقتول على الدية وأبهموا ذلك ولم يذكروا شيئًا من ذلك بعينه أو عفي عن القاتل عمدًا على الدية، وكان من أهل الإبل فإن الدية تكون عليه حينئذ حالة في ماله أرباعا كما قال بن شهاب خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وإن كان من أهل الذهب فألف دينار وإن كان من أهل الورق فاثنا عشر ألف درهم حالة في ماله لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه إلا أن يصطلحا على شيء فيلزمهما ما اصطلحا عليه. وقد روي عن مالك أن الدية في العمد إذا قبلت تكون مؤجلة كدية الخطأ في ثلاثه سنين والأول قول بن القاسم وروايته وهو تحصيل المذهب. والدية في مذهب مالك ثلاث إحداها دية العمد إذا قبلت أرباعًا وهي كما وصفنا. وهو قول بن شهاب وربيعة والثانية دية الخطأ أخماسًا وسيأتي ذكرها -كما وصفنا- في بابها إن شاء اللَّه عز وجل. والثالثة الدية المغلظة أثلاثًا ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي الحوامل وليست عنده إلا في قتل الرجل ابنه على الوصف الذي ذكرنا. وأما لو أضجع الرجل ابنه فذبحه أو جلله بالسيف أو أثر الضرب عليه بالعصا أو غيرها حتى قتله عامدا فإنه يقتل عنده به. وستأتي هذه المسألة وما للعلماء فيها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء اللَّه عز وجل. وليس يعرف مالك شبه العمد إلا في الأب يفعل بابنه ما وصفنا خاصة. وإنما تجب الدية المغلظة المذكورة من الإبل على الأب إذا كان من أهل الإبل فإن كان من أهل الأمصار فالذهب أو الورق. واختلف قوله في تغليظ دية الذهب والورق في ذلك. فروي عنه أن تغليظها أن تقوم الثلاثون حقة والثلاثون جذعة والأربعون الخلفة بالدنانير أو الدراهم بالغًا ما بلغت وإن زادت على ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم. وروي عنه أن التغليظ في ذلك أن ينظر إلى قيمة دية الخطأ أخماسًا في أسنان الإبل ثم ينظر إذا ما زادت قيمة دية التغليظ من الإبل على قيمة دية الخطأ فيزاد مثل ذلك =