للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلمًا. وهذا قول يرده الكباب والسنة، قال اللَّه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} الآية. وقال: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: ٢٨] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: ٩٧] الآية. وقال: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: ٩٨] الآية. فعذر اللَّه المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر اللَّه به، والمكره لا يكون إلا مستضعفًا غير ممتنع من فعل ما أمر به؛ قاله البخاري.
الخامسة: - ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول، وأما في الفعل فلا رخصة فيه، مثل أن يكرهوا على السجود لغير اللَّه أو الصلاة لغير القبلة، أو قتل مسلم أو ضربه أو أكل ماله، أو الزنى وشرب الخمر وأكل الربا؛ يروى هذا عن الحسن البصري، -رضي اللَّه عنه-. وهو قول الأوزاعي وسحنون من علمائنا. وقال محمد بن الحسن: إذا قيل للأسير: اسجد لهذا الصنم وإلا قتلتك. فقال: إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويكون نيته للَّه تعالى، وإن كان لغير القبلة فلا يسجد وإن قتلوه. والصحيح أنه يسجد وإن كان لغير القبلة، وما أحراه بالسجود حينئذ؛ ففي الصحيح عن ابن عمر قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] في رواية: ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. فإذا كان هذا مباحًا في السفر في حالة الأمن لتعب النزول عن الدابة للتنفل فكيف بهذا. واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود: ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلمًا به. فقصر الرخصة على القول ولم يذكر الفعل، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يجعل للكلام مثالًا وهو يريد أن الفعل في حكمه. وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسر الإيمان. روي ذلك عن عمر بن الخطاب ومكحول، وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق. روى ابن القاسم عن مالك أن من أكره على شرب الخمر وترك الصلاة أو الإفطار في رمضان، أن الإثم عنه مرفوع.
السادسة: - أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نزل به، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل اللَّه العافية في الدنيا والآخرة.
واختلف في الزنى، فقال مطرف وأصبغ وابن عبد الحكم وابن الماجشون: لا يفعل أحد ذلك، وإن قتل لم يفعله، فإن فعله فهو آثم ويلزمه الحد؛ وبه قال أبو ثور والحسن. قال ابن العربي: الصحيح أنه يجوز الإقدام على الزنى ولا حد عليه، خلافًا لمن ألزمه ذلك؛ لأنه رأى أنها شهوة خلقية لا يتصور الإكراه عليها، وغفل عن السبب في باعث الشهوة وهو الإلجاء إلى ذلك، وهو الذي أسقط حكمه، وإنما يجب =

<<  <  ج: ص:  >  >>