٣٦ - (فصل) القسم الثالث: أن يكون المتهم معروفًا بالفجور، كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك، فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولى. قال شيخنا ابن تيمية رحمه اللَّه: وما علمت أحدًا من أئمة المسلمين يقول: إن المدعى عليه في جميع هذه الدعاوى يحلف، ويرسل بلا حبس ولا غيره فليس هذا -على إطلاقه- مذهبا لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الأئمة، ومن زعم أن هذا -على إطلاقه وعمومه- هو الشرع: فقد غلط غلطًا فاحشًا مخالفًا لنصوص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولإجماع الأمة. وبمثل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، وتوهموا أن الشرع لا يقوم بسياسة العالم ومصلحة الأمة، وتعدوا حدود اللَّه، وتولد من جهل الفريقين بحقيقة الشرع خروج عنه إلى أنواع من الظلم والبدع والسياسة، جعلها هؤلاء من الشرع، وجعلها هؤلاء قسيمة ومقابلة له، وزعموا أن الشرع ناقص لا يقوم بمصالح الناس، وجعل أولئك ما فهموه من العموميات والإطلاقات هو الشرع، وإن تضمن خلاف ما شهدت به الشواهد والعلامات الصحيحة. والطائفتان مخطئتان في الشرع أقبح خطأ وأفحشه، وإنما أتوا من تقصيرهم في معرفة الشرع الذي أنزل اللَّه على رسوله، وشرعه بين عباده، كما تقدم بيانه، فإنه أنزل الكتاب بالحق ليقوم الناس بالقسط، ولم يسوغ تكذيب صادق ولا إبطال أمارة وعلامة شاهدة بالحق، بل أمر بالتثبت في خبر الفاسق، ولم يأمر برده مطلقًا، حتى تقوم أمارة على صدقه فيقبل، أو كذبه فيرد، فحكمه دائر مع الحق، والحق دائر مع حكمه أين كان، ومع من كان، وبأي دليل صحيح كان، فتوسع كثير من هؤلاء في أمور ظنوها علامات وأمارات أثبتوا بها أحكامًا، وقصر كثير من أولئك عن أدلة وعلامات ظاهرة ظنوها غير صالحة لإثبات الأحكام. ٣٧ - (فصل) ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين، كما أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الزبير بتعذيب المتهم الذي غيب ماله حتى أقر به، في قصة ابن أبي الحقيق. قال شيخنا: واختلفوا فيه: هل الذي يضربه الوالي دون القاضي، أو كلاهما أو لا يسوغ ضربه؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يضربه الوالي والقاضي. وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم، منهم أشهب بن عبد العزيز قاضي مصر، فإنه قال: يمتحن بالحبس والضرب، ويضرب بالسوط مجردًا. والقول الثاني: أنه يضربه الوالي دون القاضي. وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد، حكاه القاضيان. =