قلت: وحكى هذا القول غيره عن أبي حنيفة فقال: وقد شذ أبو حنيفة فقال فيمن قتل بخنق أو بسم أو تردية من جبل أو بئر أو بخشبة: إنه لا يقتل ولا يقتص منه، إلا إذا قتل بمحدد حديد أو حجر أو خشب أو كان معروفًا بالخنق والتردية وكان على عاقلته الدية. وهذا منه رد للكتاب والسنة، وإحداث ما لم يكن عليه أمر الأمة، وذريعة إلى رفع القصاص الذي شرعه اللَّه للنفوس، فليس عنه مناص. التاسعة: واختلفوا فيمن حبس رجلًا وقتله آخر، فقال عطاء: يقتل القاتل ويحبس الحابس حتى يموت. وقال مالك: إن كان حبسه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا جميعًا، وفي قول الشافعي وأبي ثور والنعمان يعاقب الحابس. واختاره ابن المنذر. قلت: قول عطاء صحيح، وهو مقتضى التنزيل. وروى الدارقطني عن ابن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل القاتل ويحبس الذي أمسكه". رواه سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر، ورواه معمر وابن جريج عن إسماعيل مرسلًا. العاشر: قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى} الاعتداء هو التجاوز، قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٢٩] أي يتجاوزها، فمن ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك، ومن شتمك فرد عليه مثل قوله، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه، لا تتعدى إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه، وليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية، فلو قال لك مثلا: يا كافر، جاز لك أن تقول له: أنت الكافر. وإن قال لك: يا زان، فقصاصك أن تقول له: يا كذاب يا شاهد زور. ولو قلت له يا زان، كنت كاذبًا وأثمت في الكذب. وإن مطلك وهو غني دون عذر فقال: يا ظالم، يا آكل أموال الناس، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته". أما عرضه =