ولما كان الأمر يختص بقريش ولا حظ للأنصار فيه خوطب الأنصار بأنكم ستلقون أثرة وخوطب الجميع بالنسبة لمن يلي الأمر فقد ورد ما يدل على التعميم ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني أنه قال يا رسول اللَّه ان كان علينا أمراء يأخذون بالحق الذي علينا ويمنعونا الحق الذي لنا أنقاتلهم قال: "لا عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم". وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا سيكون أمراء فيعرفون وينكرون فمن كره بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال: "لا ما صلوا" ومن حديث عوف بن مالك رفعه في حديث في هذا المعنى قلنا يا رسول اللَّه أفلا ننابذهم عند ذلك قال: "لا أقاموا الصلاة" وفي رواية له بالسيف وزاد: "وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة" وفي حديث عمر في مسنده للإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال أتاني جبريل فقال: إن أمتك مفتتنة من بعدك فقلت: من أين قال من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء هؤلاء الأمراء فيفتنون قلت: "فكيف يسلم من سلم منهم" قال بالكف والصبر أن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه" اهـ. ومن لم يهده اللَّه فما له من هاد. والأمر الآخر: أن فيه تجويز الخروج على ولاة الجور، قال في الاستذكار (٣/ ٤٨١): "وأما قوله: (ألا ننازع الأمر أهله) فقد اختلف الناس في ذلك: فقال القائلون منهم: أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين مع القوة على القيام بذلك، فهؤلاء لا ينازعون لأنهم أهله وأما أهل الجور والفسق والظلم فليسوا بأهل له، واحتجوا بقول اللَّه عز وجل لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٢٤]. ذهب إلى هذا طائفة من السلف الصالح واتبعهم بذلك خلف من الفضلاء والقراء والعلماء من أهل المدينة والعراق، وبهذا خرج ابن الزبير والحسين على يزيد، وخرج خيار أهل العراق وعلمائهم على الحجاج؛ ولهذا أخرج أهل المدينة بني أمية عنهم، وقاموا عليهم، فكانت الحرة. وبهذه اللفظة وما كان مثلها في معناها مذهب تعلقت به طائفة من المعتزلة وهو مذهب جماعة الخوارج. =