وانتبه أيها التالي لكتاب اللَّه المأمور بتدبره كيف قال يوصيكم اللَّه في أولادكم بلفظ الأولاد دون لفظ الأبناء لما سنذكره من الفرق بينهما إن شاء اللَّه. ثم أضاف الأولاد إليهم بقوله أولادكم ومعلوم أن الولد فلذة الكبد وذلك موجب للرحمة الشديدة فمع أنه أضاف الأولاد إليهم جعل الوصية لنفسه دونهم ليدل على أنه أرأف وأرحم بالأولاد من آبائهم ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول العبد لأخيه أوصيك في أولادك لأن أبا الولد أرحم بهم فكيف يوصيه غيره بهم وإنما المعروف أن يقول أوصيك بولدي خيرًا فلما قال اللَّه تبارك وتعالى يوصيكم اللَّه في أولادكم علم أن رب الأولاد أرحم بالأولاد من الوالدين لهم حيث أوصى بهم وفيهم ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في امرأة رآها قد ألقت نفسها على ابنها في بعض المغانم: "اللَّه أرحم بعبده المؤمن من هذه بولدها" وكذلك قال في الحمرة التي أخذ فراخها فألقت نفسها عليهم حتى أطبق عليها الكساء معهم فقال عليه الصلاة والسلام: "أتعجبون من رحمة هذه بفراخها فاللَّه أرحم بعبده المؤمن منها" وحسبك بقوله سبحانه وهو أرحم الراحمين فالأبوان من الراحمين فاللَّه تعالى أرحم منهما فلذلك أوصى الآباء بأولادهم وإن كان المعروف ألا يوصي والد بولده وإنما يوصي الإنسان غيره بولد نفسه إذا غاب عنه وأما أن يوصى والد بولد نفسه فغير معروف في العادة لأن للولد أن يقول أنا أرحم بولدي منك فكيف توصيني بهم فسبحان من هو أرحم الراحمين وأعدل الحاكمين. فصل في أسرار قوله يوصيكم اللَّه، وقال سبحانه يوصيكم بلفظ الفعل الدائم لا بلفظ الماضي كما قال في غير آية نحو قوله تعالى أنزلناها وفرضناها ونحو قوله فرض عليك القرآن ونحو قوله ذلكم وصاكم به ونحو قوله كتب عليكم الصيام وكتب عليكم القتال ولم يقل ههنا كذلك وإنما قال يوصيكم والحكمة في ذلك واللَّه أعلم أن الآية ناسخة للوصية المكتوبة عليهم في قوله كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية فلما نسخ الوصية الماضية واستأنف حكما آخر جاء بلفظ الفعل المستأنف تنبيها على نسخ ما مضى والشروع في حكم آخر فقال (يوصيكم اللَّه)، وجاء بالاسم الظاهر ولم يقل أوصيكم ولا نوصيكم كما قال نتلو عليك ونقص عليك لأنه أراد تعظيم هذه الوصية والترهيب من إضاعتها كما قال يعظكم اللَّه ويحذركم اللَّه نفسه فمتى أراد تعظيم =