استدل الأولون بالأوامر العامة كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} ونحوها، وهم من جملة الناس. واستدلوا أيضًا بما ورد من الوعيد للكفار على الترك كقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣)}. لا يقال: قولهم ليس بحجة، لجواز كذبهم؛ لأنا نقول: ولو كذبوا لكذبوا. واستدلوا أيضًا بقوله سبحانه: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)}. والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًّا. واستدل الآخرون بأنهم: لو كلفوا بها لصحت؛ لأن الصحة موافقة الأمر، "ولأمكن" الامتثال؛ لأن الإمكان شرط، ولا يصح منهم؛ لأن الكفر مانع، ولا يمكن الامتثال حال الكفر، لوجود المانع، ولا بعده، وهو حال الموت، لسقوط الخطاب. وأجيب: بأنه غير محل النزاع؛ لأن حالة الكفر ليست قيدًا للفعل في مرادهم بالتكليف به مسبوقًا للإيمان، والكافر يتمكن من أن يسلم، ويفعل ما وجب عليه، كالجنب والمحدث، فإنهما مأموران بالصلاة، مع تلبسهما بمانع عنها، يجب عليهما إزالته لتصح منهما، والامتناع الوصفي لا ينافي الإمكان الذاتي. واستدلوا أيضًا: بأنه لو وقع التكليف للكفار، لوجب عليهم القضاء. وأجيب: بمنع الملازمة لأنه لم يكن بينه وبين وقوع التكليف وصحته ربط عقلي، لا سيما على قول من يقول: إن القضاء لا يجب إلا بأمر جديد. وأيضًا قوله سبحانه: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}، ودليل على عدم وجوب القضاء. واحتج القائلون بالتفصيل: بأن النهي هي ترك المنهي عن فعله، وهو ممكن مع الكفر. وأجيب: بأن الكفر مانع من الترك كالفعل؛ لأنها عبادة يثاب العبد عليها، ولا تصح إلا بعد الإيمان وأيضًا: المكلف به في النهي هو الكف، وهو فعل".