ولا يغرنك ما يكدر به بعض من حرم النظر الصحيح صفو ما أنت عليه بقوله:"ما يزال التعليم الديني في الجانب الفقهي على حالة واحدة عندنا، منذ ألف سنة، فهو متون فقهية مذهبية مجردة من الدليل، كُتبت قبل قرون من الزمن، يحفظها الطلاب عن ظهر قلب، كـ:(زاد المستقنع) في الفقه الحنبلي، و:(مختصر خليل) في الفقه المالكي، و:(التقريب) لأبي شجاع في الفقه الشافعي، والقدوري في الفقه الحنفي، وهذه المتون كُتِبت باختصار شديد للعبارة، وإلغاز في الجمل، واختزال للمعاني، والخطأ فيها من وجهين:
الأول: تجريدها من النصوص كتابًا وسنة، لأن المقصود الاستدلال لها بدليل شرعي لا الاستدلال بها هي مجردةً من الدليل.
الثاني: فَهِم الكثير أن هذه الآراء الفقهية قاطعة راجحة وما سواها باطل، فحصل التعصب للمذهب والبعد عن الدليل، فحينما تطالع مثلًا أول زاد المستقنع تجد عبارة (وأقسام المياه ثلاثة) وهذا خطأ بل هما قسمان فقط، ثم يقول:(وإذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى بعددها وزاد صلاة) يعني: أن من عنده عشرين (١) ثوبًا فعند الاشتباه يصلي إحدى وعشرين صلاة وهذا خطأ، بل عليه أن يتحرى، والمشكلة أن هذه المتون تذهب بالطالب بعيدًا عن الآية والحديث ويكدُّ ذهنه في عبارات مغلقة مقفلة من دون طائل، ولماذا نشتغل بعبارات الفقهاء الملغزة الغامضة ونشرحها ونعصر الذهن في فهمها ومعنا كتاب عظيم فيه الهدى والنور مع البيان الشافي والجواب الكافي، ومعنا سنة مطهرة سهلة ميسَّرة، حتى إننا نعرف من الفقهاء من تصدَّر للإفتاء وهو لا يميز بين الحديث الصحيح والضعيف ولا يستحضر الدليل، وإنما يحفظ هذه المتون الفقهية المذهبية، فهل فينا رجل رشيد يُصلح هذا التعليم الفقهي؛ ليدرس الطلاب فقه الكتاب والسنة كما فعل أئمة الحديث وابن تيمية وابن عبد البر وابن عبد الوهاب والصنعاني والشوكاني وغيرهم".