وقال صاحبنا الحافظ ابن حجر في الفتح (٣/ ٤٦٦) في شرح حديث سؤال ابن عمر بلالًا عن مكان صلاة -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحرم: "وفي هذا الحديث من الفوائد: رواية الصاحب عن الصاحب. وسؤال المفضول مع وجود الأفضل، والاكتفاء به. والحجة بخبر الواحد، ولا يقال: هو أيضًا خبر واحد، فكيف يحتج للشيء بنفسه؛ لأنا نقول: هو فرد ينضم إلى نظائر مثله يوجب العلم بذلك. وفيه: اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة. وفيه: السؤال عن العلم والحرص فيه. وفضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليعمل بها، وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه؛ لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك". وليس فعل ابن عمر هذا من قبيل الفعل الذي نحا بأمير المؤمنين عمر -رضي اللَّه عنه- أن يقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فشتان بين الفعلين، فابن عمر ما يبتغي من فعله إلا الاقتداء والتأسي والتبرك المشروع، فضلًا عن أنه من علماء الصحابة، فلا يقرن فعله بفعل العوام الذين يخشى منهم الوقوع في المحذور، الذي هو الشرك، والذي لأجله قطع عمر الشجرة، يقول الحافظ في الفتح (٦/ ١١٨): "وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: "كانت رحمة من اللَّه"، =