للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وكان مجتهد العصر أبو الفتح محمد بن علي بن دقيق العيد يستشكل الكلام في هذه المسألة ويقول: الشواذ نقلت نقل آحاد عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيعلم ضرورة أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ بشاذ منها وإن لم يعين.
قال: فتلك القراءة تواترت وإن لم تتعين بالشخص، فكيف يسمى شاذًا والشاذ لا يكون متواترا؟
قلت: وقد تقدم آنفا ما يوضح هذه الإشكالات من مآخذ من منع القراءة بالشاذ، وقضية ابن شنبوذ في منعه من القراءة به معروفة وقصته في ذلك مشهورة ذكرناها في كتاب الطبقات، وأما إطلاق من لا يعلم على ما لم يكن عن السبعة القراء، أو ما لم يكن في هذه الكتب المشهورة كالشاطبية والتيسير أنه شاذ، فإنه اصطلاح ممن لا يعرف حقيقة ما يقول كما سنبينه فيما بعد أن شاء اللَّه تعالى.
ومثال القسم الثالث مما نقله غير ثقة كثير مما في كتب الشواذ مما غالب إسناده ضعيف، كقراءة ابن السميفع وأبي السمال وغيرهما في {ننُجِّيكَ بِبَدَنِكَ} {ننحيك}: بالحاء المهملة، {تكون لمن خلفك آية} بفتح سكون اللام، وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة -رحمه اللَّه- التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي وغيره، فإنها لا أصل لها، قال أبو العلاء الواسطي: إن الخزاعي وضع كتابًا في الحروف نسبه إلى أبي حنيفة فأخذت خط الدارقطني وجماعة أن الكتاب موضوع لا أصل له.
قلت: وقد رويت الكتاب المذكور ومنه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} برفع الهاء ونصب الهمزة، وقد راج ذلك على أكثر المفسرين ونسبها إليه وتكلف توجيهها، وإن أبا حنيفة لبريء منها، ومثال ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية ولا يصدر مثل هذا إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط ويعرفه الأئمة المحققون والحفاظ الضابطون وهو قليل جدًا، بل لا يكاد يوجد، وقد جعل بعضهم منه رواية خارجة عن نافع {معائش} بالهمز، وما رواه ابن بكار عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر من فتح ياء {أدري أقريب} مع إثبات الهمزة، وهي رواية زيد وأبي حاتم عن يعقوب، وما رواه أبو علي العطار عن العباس عن أبي عمرو (ساحران تظاهرا) بتشديد الظاء، والنظر في ذلك لا يخفي، ويدخل في هذين القسمين ما يذكره بعض المتأخرين من شراح الشاطبية في وقف حمزة على نحو {أسمايهم} و {أوليك} بياء خالصة، ونحو {شركاوهم} و {أحباوه} بواو خالصة، ونحو {بداكم} و {اخاه} بألف خالصة، ونحو (را ى: را، وتراى: ترا، واشمازت: اشمزت، وفاداراتم: فادارتم) بالحذف في ذلك كله مما يسمونه التخفيف الرسمي ولا يجوز في وجه من وجوه العربية، فإنه إما أن يكون منقولًا عن ثقة ولا سبيل إلى ذلك فهو مما لا يقبل، إذ لا وجه له، =

<<  <  ج: ص:  >  >>