- وغير ذلك من الاحترازات التي تمنع العمل به، هذا أولًا.
وأما ثانيًا، فإن معرفة حكم اللَّه تعالى في مسألة ما يحتاج وقتًا للعالم الملم بعلوم الاجتهاد فضلًا عن غيره، أي: إن معرفة ذلك يكون على مهل، بينما العبادة لا تكون إلا على الفور، فلو فرض أن متعبدًا ما يريد الوضوء وقد حضرت الصلاة، وكان بين يديه إناء ماء، وقد وقعت فيه نجاسة، وأراد أن يعرف يقينًا بالدليل حكم الشرع في ذلك، لخرج الوقت وما علمه؛ إذ يلزمه -ليعرف ذلك عن اجتهاد لا عن تقليد، كما يدعو هذا-: أن يجمع الأدلة التي في الباب، ويعرف طرق كل دليل، وينظر فيها من حيث الصحة والضعف رواية، ثم ينظر فيها من حيث الصحة والضعف دراية، ودون ذلك خرط القتاد، وهجران لذيذ الرقاد، وذلك من الوضوح بحيث يستغني عن ضرب له الأمثال.
وقد قال القاضي عياض في ترتيب المدارك: "اعلموا -وفقنا اللَّه تعالى وإياكم- أن حكم المتعبد بأوامر اللَّه تعالى ونواهيه المتشرع بشريعة نبيه -عليه السلام- طلب معرفة ذلك وما يتعبد به، وما يأتيه ويذره، ويجب عليه ويحرم، ويباح له ويرغب فيه من كتاب اللَّه تعالى وسنة نبيه -عليه السلام-، فهما الأصلان اللذان لا تعرف الشريعة إلا من قبلهما، ولا يعبد اللَّه تعالى إلا بعلمهما، ثم إجماع المسلمين مرتب عليهما، ومسند إليهما، فلا يصح أن يوجد وينعقد إلا عنهما، إما من نص عرفوه ثم تركوا نقله، ومن اجتهاد مبني عليهما على القول بصحة الإجماع من طريق الاجتهاد، وهذا كله لا يتم إلا بعد تحقيق العلم بذلك الطريق والآلات الموصلة إليه من نقل ونظر وطلب قبله وجمع وحفظ وعلم وما صح من السنن واشتهر، ومعرفة كيف يتفهم وما به يتفهم من علم ظواهر الألفاظ وهو علم العربية واللغة وعلم