وقيل: إنه يقتضي الفور، فيحب الإتيان به في أول أوقات الإمكان للفعل المأمور به، وعزي إلى المالكية والحنابلة وبعض الحنفية والشافعية، وقال القاضي: الأمر يوجب إما الفور أو العزم على الإتيان به في ثاني الحال. وتوقف الجويني في أنه باعتبار اللغة للفور أو التراخي قال: فيمتثل المأمور بكل من الفور والتراخي لعدم رجحان أحدهما على الآخر مع التوقف في إثمه بالتراخي لا بالفور لعدم احتمال وجوب التراخي، وقيل بالوقف في الامتثال، ، أي: ، لا ندري هل يأثم إن بادر أو إن أخر لاحتمال وجوب التراخي. استدل القائلون بالتكرار المستلزم لاقتضاء الفور بما تقدم في الفصل الذي قبل هذا، وقد تقدم دفعه. واحتج من قال: بأنه في غير المقيد بوقت لمجرد الطلب بما تقدم أيضًا، من أن دلالته لا تزيد على مجرد الطلب بفور أو تراخي لا بحسب المادة، ولا بحسب الصيغة لأن هيئة الأمر لا دلالة لها إلا على الطلب في خصوص زمان، وخصوص المطلوب من المادة، ولا دلالة لها إلا على مجرد الفعل فلزم أن تمام مدلول الصيغة طلب الفعل فقط، وكونها دالة على الفور، أو التراخي خارج عن مدلوله، وإنما يفهم ذلك بالقرائن فلا بد من جعلها حقيقة للقدر المشترك بين القسمين دفعًا للاشتراك والمجاز والموضوع لإفادة القدر المشترك بين القسمين لا يكون فيه إشعار بخصوصية أحدهما على التعيين؛ لأن تلك الخصوصية مغايرة لمسمى اللفظ وغير لازمة له فثبت أن اللفظ لا إشعار له بخصوص كونه فورًا ولا بخصوص كونه تراخيًا. واحتجوا أيضًا بأنه يحسن من السيد أن يقول لعبده: افعل الفعل الفلاني في الحال، أو غدًا، ولو كان كونه فورًا داخلًا في لفظ "افعل" لكان الأول تكرارًا والثاني نقضًا وأنه غير جائز. واحتجوا أيضًا بأن أهل اللغة قالوا: لا فرق بين قولنا: تفعل وبين قولنا: افعل إلا أن الأول خبر والثاني إنشاء، لكن قولنا: تفعل لا إشعار له بشيء من الأوقات فإنه يكفي في صدقه الإتيان به في، أي: وقت كان فكذلك الأمر، وإلا لكان بينهما فرق سوى كون أحدهما خبرًا والثاني إنشاء. واحتج القائلون بالفور: بأن كل مخبر بكلام خبري كزيد قائم، ومنشئ كبعت وطالق، يقصد الحاضر عند الإطلاق عن القرائن حتى يكون موجودًا للبيع والطلاق بما ذكر، فكذا الأمر والجامع بينه وبين الخبر كون كل منهما من أقسام الكلام، وبينه وبين سائر الإنشاءات التي يقصد بها الحاضر كون كل منها إنشاء. =