قال العراقي: والجواب أنه أراد إثبات صحبة خاصة ليست لأولئك. وعن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد صحابيًا إلا من أقام مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سنة أو سنتين أو غزا معه غزوة أو غزوتين، ووجهه أن لصحبته -صلى اللَّه عليه وسلم- شرفًا عظيمًا، فلا تنال إلا باجتماع طويل، يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص، كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف بها المزاج، فإن صح هذا القول عنه فضعيف، فإن مقتضاه أن لا يعد جرير بن عبد اللَّه البجلي وشبهه ممن فقد ما اشترطه كوائل بن حجر صحابيًا، ولا خلاف أنهم صحابة. قال العراقي: ولا يصح هذا عن سعيد بن المسيب؛ ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي، [وهو] ضعيف في الحديث. وقال: وقد اعترض بأن جريرًا أسلم في أول البعثة؛ لما روى الطبراني عنه قال: لما بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتيته لأبايعه، فقال: "لأي شيء جئت يا جرير؟ " قال: جئت لأسلم على يديك، فدعاني إلى "شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة. . " الحديث. قال: والجواب: أن الحديث غير صحيح؛ فإنه من رواية الحصين بن عمر الأحمسي، وهو منكر الحديث، ولو ثبت فلا دليل فيه؛ لأنه يلزم الفورية في جواب لما؛ بدليل ذكر الصلاة والزكاة وفرضهما متراخ عن البعثة، والصواب ما ثبت عنه أنه قال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة. رواه أبو داود وغيره. وفي تاريخ البخاري الكبير أنه أسلم عام توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذا قال الواقدي وابن حبان والخطيب وغيرهم. فائدة: في حد الصحابي قول رابع: أنه من طالت صحبته، وروي عنه، قاله الحافظ. وخامس: أنه من رآه بالغًا، حكاه الواقدي، وهو شاذ كما تقدم. وسادس: أنه من أدرك زمنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن لم يره، قاله يحيى بن عثمان بن صالح المصري، وعد من ذلك عبد اللَّه بن مالك الجيشاني أبا تميم، ولم يرحل إلى المدينة إلا في خلافة عمر باتفاق، وممن حكى هذا القول القرافي في شرح التنقيح، وكذا من حكم بإسلامه تبعًا لأبويه، وعليه عمل ابن عبد البر وابن منده في كتابيهما، وشرط الماوردي في الصحابي أن يتخصص بالرسول ويتخصص به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. ثم تعرف صحبته إما بالتواتر، كـ: أبي بكر وعمر وبقية العشرة في خلق منهم. أو الاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر، كـ: ضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن. =