للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= حلف عليه.
الخامسة عشرة: قال ابن العربي: ومن غريب الأمر أن علماءنا اختلفوا في الإكراه على الحنث هل يقع به أم لا؛ وهذه مسألة عراقية سرت لنا منهم، لا كانت هذه المسألة ولا كانوا! وأي فرق يا معشر أصحابنا بين الإكراه على اليمين في أنها لا تلزم وبين الحنث في أنه لا يقع! فاتقوا اللَّه وراجعوا بصائركم، ولا تغتروا بهذه الروية فإنها وصمة في الدراية.
السادسة عشرة: إذا أكره الرجل على أن يحلف وإلا أخذ له مال كأصحاب المكس وظلمة السعاة وأهل الاعتداء؛ فقال مالك: لا تقية له في ذلك، وإنما يدرأ المرء بيمينه عن بدنه لا ماله. وقال ابن الماجشون: لا يحنث وإن درأ عن ماله ولم يخف على بدنه. وقال ابن القاسم بقول مطرف، ورواه عن مالك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
قلت: قول ابن الماجشون صحيح؛ لأن المدافعة عن المال كالمدافعة عن النفس؛ وهو قول الحسن وقتادة وسيأتي. وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وقال: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه". وروى أبو هريرة قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، أرأيت إن جاء رجلًا يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار" خرجه مسلم. وقد مضى الكلام فيه. وقال مطرف وابن الماجشون: وإن بدر الحالف بيمينه للوالي الظالم قبل أن يسألها ليذب بها عما خاف عليه من ماله وبدنه فحلف له فإنها تلزمه. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ. وقال أيضًا ابن الماجشون فيمن أخذه ظالم فحلف له بالطلاق البتة من غير أن يحلفه وتركه وهو كاذب، وإنما حلف خوفًا من ضربه وقتله وأخذ ماله: فإن كان إنما تبرع باليمين غلبة خوف ورجاء النجاة من ظلمه فقد دخل في الإكراه ولا شيء عليه، وإن لم يحلف على رجاء النجاة فهو حانث.
السابعة عشرة: قال المحققون من العلماء: إذا تلفظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه إلا مجرى المعاريض؛ فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. ومتى لم يكن كذلك كان كافرًا؛ لأن المعاريض لا سلطان للإكراه عليها. مثاله - أن يقال له: اكفر باللَّه فيقول باللاهي؛ فيزيد الياء. وكذلك إذا قيل له: أكفر بالنبي فيقول هو كافر بالنبي، مشددًا وهو المكان المرتفع من الأرض. ويطلق على ما يعمل من الخوص شبه المائدة فيقصد أحدهما بقلبه ويبرأ من الكفر ويبرأ من إثمه. فإن قيل له: أكفر بالنبيء "مهموزًا" فيقول هو كافر بالنبيء يريد بالمخبر، أي: مخبر كان كطليحة =

<<  <  ج: ص:  >  >>