كان أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس ايقاض الفراريج. تقدير البيت: كأن أصوات أواخر الميس أصوات الفراريج من إيغالهن بنا، ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله: من إيغالهن، وكتشبيه صريف أنياب البعير بصياح البوازي، كما قال: كأن على أنيابها كل سحرة ... صياح البوازي من صريف اللوائك وأشباه ذلك من الأصوات المشبهة له، وكتشبيه بعض الفواكه الحلوة بالعسل والسكر وتشبيه اللين الناعم بالخز والخشن بالمسح أو رائحة بعض الرياحين برائحة الكافور أو رائحة بعضها ببعض كما لا يخفي وهكذا التشبيه من جهة الغريزة والطباع كتشبيه الرجل بالأسد في الشجاعة والذئب في النكر والأخلاق كلها تدخل في الغريزة نحو السخاء والكرم واللؤم وكذلك تشبيه الرجل بالرجل في الشدة والقوة وما يتصل بها، فالشبه في هذا كله بيّن، لا يجرى فيه التأول ولا يفتقر إليه في تحصيله، وأي تأول يجرى في مشابهة الخد للورد في الحمرة وأنت تراها ههنا كما تراها هناك، وكذلك تعلم الشجاعة في الأسد كما تعلمها في الرجل. ومثال الثاني، وهو: الشبه الذي يحصل بضرب من التأول كقولك هذه حجة كالشمس في الظهور وقد شبهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها كما شبهت فيما مضى الشيء بالشىء من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما إلا أنك تعلم أن هذا التشبيه لا يتم لك إلا بتأول وذلك أن تقول حقيقة ظهور الشمس وغيرها من الأجسام أن لا يكون دونها حجاب ونحوه مما يحول بين العين وبين رؤيتها ولذلك يظهر الشيء لك ولا يظهر لك إذا كنت من وراء حجاب أو لم يكن بينك وبينه ذلك الحجاب، ثم تقول أن الشبهة نظير الحجاب فيما يدرك بالعقول لأنها تمنع القلب رؤية ما هي شبهة فيه كما يمنع الحجاب العين أن ترى ما هو من ورائه، ولذلك توصف الشبهة بأنها اعترضت دون الذي يروم القلب إدراكه ويصرف فكره للوصول إليه من صحة حكم أو فساده فإذا ارتفعت الشبهة وحصل العلم بمعنى الكلام الذي هو الحجة على صحة ما أدى من الحكم قيل هذا ظاهر كالشمس أي ليس ههنا مانع عن العلم به ولا للتوقف والشك فيه مساغ وإن المنكر له إما مدخول في عقله أو جاحد مباهت ومسرف في العناد كما أن الشمس الطالعة لا يشك فيها ذو بصر ولا ينكرها إلا من لا عذر له في إنكاره فقد احتجت في تحصيل الشبه الذي أثبته بين الحجة والشمس إلى مثل هذا التأويل كما ترى. =